مأساة شعب فقد نظامه الديمقراطي التعددي

02:56 2022/07/18

تتعدد وتتنوع المآسي التي تعرضت وتتعرض لها الشعوب حول العالم؛ لكن تظل المأساة الأكثر وجعاً وحزناً وألماً هي مأساة شعب فقد نظامه الديمقراطي التعددي لمصلحة أنظمة ديكتاتورية وقمعية وتسلطية، تقودها أحزاب وجماعات دينية وطائفية ومناطقية متشددة ومتطرفة، لا مكان للتعدد والتنوع والرأي والرأي الآخر في فكرها السياسي، فقط هناك رأي واحد وهو رأي القائد الملك الملهم الفرد الواحد المعصوم.
 
ويمكن توصيف هكذا مأساة بانتكاسة سياسية مروعة لها مردودات وعواقب وخيمة يدفع ثمنها ذلك الشعب المنكوب، الذي يجد نفسه وهو يتجرع كؤوس الذل والهوان والعبودية والاستبداد في كل وقت وحين على يد حكامه الجدد الذين استغفلوه وأفقدوه نظامه الديمقراطي التعددي، الذي عاش في عهده ينعم بالحرية والكرامة والتعددية.
 
فبعد أن كان ذلك الشعب هو محور العملية السياسية في البلاد في ظل النظام الديمقراطي، أصبح مجرد تابع وأجير وخادم في ظل الأنظمة القمعية البديلة، لا رأي له ولا قيمة له مجرد رقم في خانة التعداد السكاني. وهنا تتجلى فداحة مأساة ذلك الشعب وتتجلى فداحة الكارثه التي تعرض لها ذلك الشعب، وتتجلى فداحة الخسارة التي تلقاها ذلك الشعب، وتتجلى فداحة الخديعة التي وقع فيها ذلك الشعب، ففقدان النظام الديمقراطي التعددي خسارة سياسية وفكرية لا تعادلها خسارة على الإطلاق في تاريخ السياسة والحكم.
 
فالشعوب تناضل وتضحي وتصبر وتتحمل وتثور في سبيل حصولها على نظام ديمقراطي تعددي، وفي سبيل خلاصها من أنظمة الحكم الاستبدادية والقمعية.
لكن لم يحصل في التاريخ السياسي البشري أن خرج شعب ما ضد نظامه الديمقراطي التعددي، ودعماً لأحزاب وجماعات دينية وطائفية ومناطقية متطرفة ومتشددة استطاعت بمكرها وخداعها وتضليلها الإعلامي أن تستغفل ذلك الشعب وتدفعه للخروج ضد نظامه الديمقراطي والتعددي، في معادلة سياسية غير منطقية ، لتفرض أفكارها الاستبدادية والقمعية والمذهبية والطائفية، بدلاً من الأفكار الديمقراطية والتعددية والتحررية والمدنية التي كان يعيشها ذلك الشعب، بعد أن تمكنت تلك الأحزاب والجماعات من استغلال الأجواء الديمقراطية والتعددية للانقلاب على الديمقراطية والتعددية، ولتفرض أفكارها الاستبدادية والقمعية، في ظاهرة سياسية هي الأولى من نوعها.
 
كونها تتعارض مع ما هو متعارف عليه، وهو أن شعوب العالم تستغل الأجواء الديمقراطية والتعددية للحصول على المزيد من الديمقراطية والتعددية والمدنية. لكن لم يسبق أن حصل العكس إلا في حالة ذلك الشعب المنكوب الذي تم استغفاله واستغلاله بصورة مروعة؛ وهو ما يؤكد بأنه قد تعرض لحالة من الخديعة غير مسبوقة في تاريخ السياسة، ليتجرع مأساة غير مسبوقة، بعد أن خسر نظامه الديمقراطي التعددي ووقع في قبضة أنظمة حكم مذهبية وطائفية وقمعية.
 
وهكذا حالة يجب أن تسجل في كتب السياسة كسابقة هي الأولى في هذا المجال، حالة استغلت فيها أحزاب وجماعات دينية متشددة الديمقراطية استغلال سلبي؛ حيث استطاعت أن تجعل منها جسراً للعبور لمبتغاها وهدفها، وهو الاستيلاء على السلطة عبر طريق غير مشروعة ، في حالة استغلال واستغفال شعبي غير مسبوقة، ليجد ذلك الشعب نفسه وهو في وضع لا يحسد عليه، بعد أن أصبح يعيش في حالة انتكاسة سياسية مفزعة ومرعبة، وبعد أن فقد كل شيء جميل في حياته ، وبعد أن أصبح محاصرا من كل مكان، وأصبح يعيش مأساة مكتملة الأركان، ولتصبح الديمقراطية مجرد حلم يراوده في أحلامه، بعد أن كانت واقعاً يعيشه ويتمتع به طوال الوقت. لذلك، كان ولا يزال وسيظل استغلال واستغفال الشعوب اللعبة المفضلة لدى الأحزاب والجماعات والقيادات التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا تحترم إرادة الشعوب ولا تحترم الحقوق والحريات الإنسانية.