نموذج من ممارسات نادي الخريجين في صنعاء

10:12 2022/09/28

طالبة أنهت دراستها الجامعية، هي في عام التخرج، أعرفها جيدًا، أرسلت إليّ قبل قليل تقول: لنا شهر نجهز حفل تخرجنا، شهر كامل، أعددنا خلاله كل شيء، حجزنا القاعة والمقدمين والفنانين، فرقنا التكاليف والمبالغ المالية، حاسبنا كل الالتزامات، وقطعنا تصريحا وموافقة من الأمن، رتبنا كل شيء برغبة عارمة وتفاؤل لا يمكنني وصفه، كانت التفاصيل بسعادة ترغم الحياة على الانصياع رغمًا عنها، دعونا المعازيم والمعاريف والأحباب والأقارب، وقسمنا الدعوات وجهزنا المصورين ورتبنا الورود والرياحين وجهزنا الأماكن والعناوين، وتخيلنا عبورنا بالورود والزغاريد، وتوقعنا المزيد والمزيد وتمنينا الكثير من الابتسامات في وجوه أمهاتنا وآبائنا وكل شيء، وكل شيء وكل شيء.
في رسائل الفتاة يوجد عالم بعيد من البكاء والحسرة والقهر، وأوجاع لا يمكنني تشكيلها. زمن من العجز والخيبة والخذلان والكثير من الظلام واليأس! الله يا وطن الخذلان والخيبات.
تستمر الفتاة في الحديث وتقول: لنتفاجأ قبل قليل بتعميم صارم يمنع الفقرات الفنية والغنائية ويلزمنا بالاحتفال والتخرج بالزوامل، ألزمونا الزوامل في ليلة الاحتفال، لم نتوقع هذا وإلاّ كنا سنلغي الحفل من أساسه، لا نريد احتفالات بنكهة الزوامل والمعارك، الله كم قهرونا وقهروا حياتنا ونسفوا سعادتنا ورغبتنا! والله إنهم دمروا رغبتنا في البقاء أكثر! من سيحتفل يوم تخرجه بزوامل لها نكهة الحرب والخوف؟! أخبرني من؟! زوامل لها صدى المعارك وارتدادات القتال! هذا لا يعقل، لن نشارك، هذه ليست معركة، هذا حفل تخرج وفرح كبير، ليس حربا وقتالا، لا لا، لن نستمر في حياتنا لأجلهم. أخبرني أرجوك، لماذا يتعاملون معنا كعبيد؟! كشعب عليه البكاء والقتال؟! لماذا علينا الغناء لهم والموت لهم والتوقف عن الحياة لأجلهم؟! لماذا لماذا؟!
سامحني يا ماجد. 
أريد أن أكتب عن هذا بنفسي لكنني أخاف على نفسي، أرجوك هل ستكتب عن هذا القهر والعجز والوجع؟! أرجوك أن تكتب عن معاناتنا وخوفنا وصمتنا وعجزنا!
ثم أغلقت حسابها، وغادرت.. 
غادرت للبكاء والقهر والخيال اللعين.
أعرف ذلك. حاولت بالفعل طمأنتها ومواساتها ولو قليلًا، لم تعد ترد أو تجيب، أثق بهذا، لقد أغلقت على نفسها غرفتها لتبكي فقط، لترثي مصيرها، لتعيش القهر في غمرة السعادة، لتغكر بالهروب بينما تموت في ذروة الفرح.
أنا آسف يا صديقتي. 
أسف ألف عام وعام.
آسف جدًا جدًا.
آسف لأن هذا الوطن بنكهة الأوجاع لا ينتهي. هذا مصيرنا جميعًا.
ثقي بهذا. 
لا شيء يبقى للأبد.
 
ماجد زايد