الشقيقة الكبرى.. استنفاد الوسائل ومعضلة اليمن إلى أين؟!

01:53 2023/03/18

لطالما تساءل كل اليمنيين وبعض العرب: متى ستنتهي المعارك والمحنة التي تمر بها اليمن؟

ويتساءل كل اليمنيين: بعد كل السنوات العجاف التي عصفت باليمن وأهله هل ستضع الحرب أوزارها، وتُفتح صفحة جديدة عنوانها السلام ويعود التعايش إلى اليمن السعيد، بعد زمن من التشرد والشتات والقتل والاختطافات والاعتقالات، وتتنفس المنطقة الصعداء جراء الأجواء السياسية والأمنية والعسكرية المشحونة والمتوترة؟

وبنفس القدر يتساءل المواطن السعودي: متى سينتهي كابوس تحويل الجار الجنوبي إلى مجرد ذراع لمشروع فارسي تخريبي مخططاته المرسومة من طهران وطريقاً للوصول إلى مكة والمدينة، وليصبح خنجراً في خاصرة المملكة؟

والسؤال المقلق والجديد والمستجد: هل الاتفاق السعودي الإيراني سيبدد كل هذه المخاوف ويكون علامة فاصلة لإنهاء هذا الوضع الذي تضررت منه جميع الأطراف بشكل أو بآخر، والذي طال الشعب اليمني النصيب الأكبر منه؟

الملحوظ أنه، رغم إحساس التفاؤل والبعض من الابتهاج المصاحب لتوقيع هذا الاتفاق، فإن الكثير من المراقبين والكثير من السياسيين في اليمن ينظرون إليه بكثير من الحذر، نتيجة التجارب العديدة في الطبيعة المراوغة وغير الجادة في سياسة طهران وأذرعها في المنطقة.

يعزز ذلك الشحن والتنافس الدوليان واللعب غير الشريف في ملف المنطقة من قبل الدول الكبرى المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا، فإن الأزمة اليمنية هي المؤشر الأكبر لانعكاس ونجاح هذا الاتفاق، ويبدو لكل من لديه نظرة سياسية ثاقبة وفاحصة أنه بقدر نجاح المملكة العربية السعودية في خلق ولو قدر من التوازن الدولي الجديد في الشأن السعودي وفي المنطقة، وبنفس القدر الذي أوقف الطموح الإيراني في فرض أي واقع عسكري على السعودية والمنطقة من خلال التحالف الدولي والإقليمي الذي اضطرت معه إيران للقبول بهذا الاتفاق، لكن كل ذلك رهن بإدارة الملف والأزمة اليمنية بعد الاتفاق، وخلق وضع آمن ومستقر يعزز حاجة إيران بالاستمرار في تعزيز الأمن الإقليمي الذي أصبح حاجة ملحة لجميع الأطراف.

وبكل تأكيد فإن إيران وأذرعها في المنطقة لو وجدوا أسبابا ومبررات لعدم الالتزام بهذا التوجه، سيدفعها بالتأكيد للتخلي عن مشروع السلام والعودة إلى نقطة الأطماع التوسعية وفرض أجندتها على المنطقة للحصول على مزيد من النفوذ في قلب الأمة الإسلامية وواجهة الأمة العربية، والتي أصبحت أيضاً محط أطماع معادلة دولية تطل برأسها وترغب في بسط سياسة جديدة في الوقت الراهن.

كل تلك الأسئلة يصعب الإجابة عليها بسهولة.

لكن المتتبع الحصيف للشأن اليمني يدرك أن الحرب في اليمن ستنتهي عند توفر أمرين لا ثالث لهما: الأول إعادة النظر في القائمين على الملف اليمني من الجانب السعودي، والآخر هو الإرادة والقيادة اليمنية التي تمتلك القرار والروح والحكمة والخبرة الوطنية القادرة على إدارة الحرب وقيادة الدولة نحو الانفراج والسلام.

لا شك أن المملكة العربية السعودية التي حققت إنجازات كبيرة، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً على المستوى المحلي، إلى جانب توطيد مكانتها وريادتها على المستوى العربي بتبني مواقف متقدمة تجاه دعم الموقف العربي والفلسطيني أمام الغطرسة الصهيونية، وبموقفها العروبي المشرف من اعتداءات الصهاينة على مدينة الخليل، جعلها ذلك محط تقدير كبير من قبل الشارع والقوى السياسية والاجتماعية العربية، وحرص المملكة في اتفاقها الأمني على ألا تتدخل إيران في شؤون الدول. وفي الجانب الآخر، وجدت الكثير من النخب العربية نفسها في حيرة وتساؤلات هل الاتفاق الأمني مع إيران سيساعد على إنهاء فشل قيادة المملكة في إدارة الصراع مع هذا الذراع الإيراني، الذي يتمدد ويبسط سطوته على الواقع الحدودي، بنفس الحنكة والمقدرة التي أظهرتها في الجوانب الأخرى محلياً وإقليمياً ودولياً، وهو الأمر الذي قد يبدو وكأنه فشل في إدارة الصراع مع عصابة الحوثي الإرهابية وسوف يستمر رغم وجود الإرادة الإقليمية والدولية، لأن المشكلة سوف تظل في الأدوات القائمة الفاشلة في حلحلة الأزمة مالم تتغير الادوات القائمة مع المتغيرات الدولية.

وينظر الكثيرون إلى أن الأشقاء في السعودية قد لا يدركون أو يدركون قبل غيرهم أن الفشل الحقيقي في نزع خنجر إيران من الخاصرة السعودية هو في تلك العناصر التي اختارتها في إدارة الملف اليمني أو التي أشارت إليها تقارير خبراء مجلس الأمن والمنظمات الدولية والحقوقية ووصمتها بأنها بؤرة للفشل والفساد داخل مكون دولة الشرعية اليمنية.

ويؤكد ذلك وجود الكثير من ملفات الفساد التي تحتاج إلى سلسة من الحلقات لسرد جزء يسير منها. وهذا يشير بوضوح إلى أن تلك العناصر هي سبب إظهار حكومة الرياض بمظهر الخاسر للحرب ضد مجموعة إرهابية ومتطرفة ودخيلة على المجتمع اليمني والروابط الأخوية اليمنية السعودية. يعلم الجميع أن التحالف العربي دخل بعاصفة الحزم وبعدها عاصفة الأمل، فلا حسمت "الحزم" معركتها مع الحوثيين، ولا لاح بارق أمل لليمن والسعودية في إنهاء سرطان إيران المطلوب غرسه في قلب الأمة الإسلامية وقلب المنطقة العربية. كل ما رأينا في نهاية المطاف وفود تتقاطر نحو صنعاء والسلطنة، بشكل يوحي بما لا يجوز أن نظهر به لا نحن ولا المملكة العربية السعودية.

أرغمت المملكة بسبب من يدير الملف اليمني أن تذهب لاتفاق الصين والذي إن كانت غيرت من يدير الملف اليمني لما احتاجت إليه. يأتي هذا الاتفاق، ونحن أيضاً على مقربة من مرور عام على إنشاء مجلس القيادة الرئاسي، لتظهر لنا الأرقام والدراسات بأن هناك فاتورة باهظة قدمتها اليمن والسعودية ماليا واقتصاديا وسياسيا، ولم تحقق من تلك سوى مزيد من مشاعر الفشل، يضاف إلى ذلك الفواتير السابقة التي دفعت عن طريق سياسيين وحكومات لم يقودوا إلا إلى الفشل.

وكل ما عملوه هو حرصهم على جمع المال وترك الوطن يسبح في بحر من الأزمات، رغم أن تلك العناصر الفاشلة والفاسدة وحلفاءها سعت وتسعى إلى تقديم الكثير من التنازلات المهينة سرا وعلانية لاسترضاء واستجداء السلام من عصابة إرهابية، وفي أبعد مدى طلبات تمديد الهدن العسكرية وغيرها على حساب كل الأولويات التي أقرتها مشاورات الرياض والمرجعيات الوطنية والسيادية والقرارات الدولية.

هنا نؤكد على أنه لا يزال الأمل الوحيد أمام الجميع، وخصوصا مع التوجه الدولي الجديد والاتفاق الأمني الإقليمي بين السعودية وإيران وبالذات إخوتنا في المملكة العربية السعودية ودول التحالف وجميع المهتمين بالشأن اليمني، يكمن في إعادة النظر في تلك العناصر واستبدالها بعناصر تملك الخبرة والمهارة في المجالات العسكرية والاقتصادية والمعرفة الكاملة بالجغرافيا والمكونات والتركيبات الاجتماعية للمجتمع اليمني، والتي ستكون قادرة حقا على إحداث تغيير كبير على مستوى الحل السياسي وإن لزم الأمر الجبهات أو في أرض الواقع المعاش في شتى المجالات نحو استعادة الدولة وسبل السلام في اليمن و المنطقة. ولن يتم ذلك إلا وفق قيادة متزنة تستطيع أن تلقى إجماعا شعبيا واسعا وكبيرا في مختلف أوساط جميع شرائح المجتمع اليمني شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.

هناك الكثير من التساؤلات حول عدم الاعتماد على تلك القيادات اليمنية الحقيقية ذات الكفاءة والقدرة على استعادة الدولة اليمنية وإدارة الحرب وبناء مستقبل يستفيد منه الخليج والمنطقة قبل اليمنيين أنفسهم، أو من القيادات السعودية ممن كانت ممسكة في الملف اليمني قبل ثمان سنوات والتي تعرف طبيعة اليمن وقبائلها. وفي الأخير، يرى العديد من المراقبين والمختصين أن الحوثي لا يؤتمن جانبه،

وأن السعودية لن تستطيع الصبر كثيراً أمام مراوغة وخداع عصابة الحوثي الإرهابية في طريق إفشال كل عوامل النجاح لمشاورات السلام وما بعدها، بما فيها اتفاقها مع إيران لأنه اتفاق أمني مرحلي و ليس استراتيجيا. وستجد المملكة نفسها تعود نحو الحقيقة الواضحة بالتعامل مع شخصيات يمنية تعرفها هي ومتأكدة من إخلاصها لعروبتها في خوض غمار الخيار الأخير والحاسم نحو إعادة استقرار الأوضاع في اليمن، على اعتبار رفض المملكة الواضح لخيار تقسيم اليمن ومحاربتها ما أنتجته أدوات الفساد والخيانة في الواقع اليمني من انهيار للحالة الاقتصادية والمعيشية في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية والمعيشية.

بعد مرور ثمان سنوات من الحرب، ورغم قوة العلاقة المصيرية بين اليمن والسعودية، فإن القائمين على الملف اليمني بالرياض افتقدوا الحكمة والدراية بقبائل وشخصيات ومفاتيح اليمن والحكمة اللازمة في التعامل مع الملف اليمني فأوصلونا للفشل، وأصبح التعامل مع الصراع في اليمن مجرد شيكات بنكية بلا عائد، والوضع يحتاج بالضرورة والأهمية حاليا إلى رجال أكثر حكمة وخبرة ودراية وأقل جشعا بوضع اليمن وشخصياتها وقبائلها كما كان الأمر عليه قبل ثمان سنوات. قد يكون هذا اختزالا، لكنه تكثيف للحلول، بعد نقاش الخلل، والتشخيص نقطة أولى لوصف العلاج فتغيير الأدوات الحالية التي تتعامل مع الملف أصبح ضرورة لليمن وللأمن القومي العربي.