حكايتي مع الإرهاب والجهاد في سبيل الله

08:16 2023/04/01

سأل القاضي قاتل الرئيس المصري السابق أنور السادات: "قتلت السادات ليه؟
 
قال له: "لأنه علماني"
 
فرد القاضي: ويعني إيه علماني؟
 
فقال القاتل: "معرفش"! 
 
وفي حادثة محاولة اغتيال الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، سأل القاضي الرجل الذي طعن نجيب محفوظ: لماذا طعنته؟
 
فقال المجرم : "بسبب روايته أولاد حارتنا". 
 
فسأله القاضي: هل قرأت رواية أولاد حارتنا؟
 
فقال المجرم: لا!
 
وسأل قاضٍ ثالث القاتل الذي قتل الكاتب المصري فرج فودة: لماذا اغتلت فرج فودة؟
 
أجاب القاتل: لأنه كافر
فسأله القاضي: كيف عرفت أنه كافر؟
 
أجاب القاتل: من كتبه! 
قال القاضي: ومن أي من كتبه عرفت أنه كافر؟
 
القاتل: أنا لم أقرأ كتبه! 
القاضي: كيف؟!
 
أجاب القاتل: أنا لا أقرأ ولا أكتب!
هكذا دفعت مجتمعاتنا ثمن الجهل وضريبة التلقين والتعبئة الخاطئة لعقول استغلها مجرمو العصر ومفسدو الدين والدنيا. 
 
ما قرأتموه أعلاه نشط ذاكرتي لحادثتين مهمتين لأحد الأصدقاء أيام المراهقة وتعكسان استغلال صغار السن باسم الدين والتقرب إلى الله و دخول الجنة والاقتداء بصحابة رسول الله والذي كان ضمن شباب مراهقين بالمدينة السكنية لبنك الإنشاء و التعمير، حيث قال:
 
كان أحد الشباب، والذي يكبرنا سنا وتجذبنا لحيته الطويلة، يطرح علينا أننا فرسان وأننا أحفاد الصحابة وأمامنا أعمال بطولية سوف تخلد للتاريخ. ولذا علينا أن نجاهد في سبيل الله والتقرب إلى الله بمحاربة الفسق والفجور الذي أصبح منتشرا بالعاصمة صنعاء. 
 
وفعلا سيطرت علينا فكرة أن نكون مثل علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ونشتهر أننا فرسان الإسلام. وكان بجوارنا شقتان كل يوم يأتي باص 16 راكبا يأخذ عددا من الفتيات منهما، ويعود ببعضهن بعد يومين أو ثلاثه أيام، بعض الأيام نهارا وبعض الأيام ليلا. وقد أثارنا كثيرا ذلك، بالإضافة إلى تبرجهن ولبسهن الضيق والقصير. وكان ذلك الشاب يستشهد بهن لما وصلت إليه صنعاء من الفسق والفجور. فاجتمعنا ذات مساء وقررنا أن نتقرب إلى الله بمحاربة هذا الفسق والفجور من وجهة نظرنا القاصرة وبحسب التعبئة.
 
بدأنا بالتخطيط بمحاصرة الباص ومنع الركاب والراكبات من النزول حتى حضور الجهات الأمنية لاعتقالهم وإقامة الحد الشرعي عليهم، وتطوع 3 شباب مراهقين بإيقاف الباص ومنع النزول من عليه، و5 شباب مراهقين بالرجم بالحجارة لإخافتهم، وأنا علي عمل البلاغ.
 
تم تنفيذ الخطة بإحكام ونجاح كبير. وحضرت الأجهزة الأمنية. وبعد دقائق من محادثات جرت بين الأجهزة الأمنية والركاب الذين على الباص وإبراز بطائقهم نفاجأ بأخذنا جميعا لقسم المنطقة واعتقالنا والتحقيق طوال أربعة أيام ليلا ونهارا، حتى تأكدوا أنه عمل بريء ولسنا خلايا إرهابية.
 
وتحت ضغوط أسرنا  تم الإفراج عنا. ومن التحقيق علمنا أن الفتيات موظفات في شركة طيران وهن مضيفات طيران، والباص يأخذهن من السكن الخاص بهن للمطار ويعود بهن عند عودتهن من رحلتهن حسب أوقات الوصول، وأن لبسهن هذا زي رسمي خاص بمضيفات الطيران وأنهن يقمن بعملهن الرسمي بكل شرف ونزاهة، وتنازلت شركة الطيران عما تسببنا به من أضرار لصغر سننا وأنه عمل تم توريطنا فيه. ولكن فكرة التبرج كانت في مخيلتنا  وكانت هذه الحادثة الأولى مع الجهاد في سبيل الله. ظل ذلك الشاب يلاحقنا وأننا كنا على صواب، وقد جاءته في نومه ونحن في السجن رؤيا أننا بهذا العمل بجوار الصحابة والصديقين يقدمون لنا التهاني لهذا العمل الجهادي الكبير، وأنها فاتحة خير لأعمال جهادية عظيمة ونشر الإسلام في أصقاع الأرض..
 
وظل ذلك الشاب يحرضنا على كل ما هو حولنا، إلى أن طلب منا ذات يوم أن نخزن وكانت التعبئة للحادثة الجهادية الثانية، حيث قدم لنا درسا ومحاضرة كيف أن الموساد يستغل المسلمين في أن يصل بهم للإلحاد والخروج من الإسلام ونشر الكفر. ورويدا رويدا أصبحنا مقتنعين بالفكرة. وفي عصر أحد الأيام أوعز لنا أن أحد سكان الحي كافر وهو بعثي واشتراكي شيوعي، ونحن لأول مرة نسمع هذه المصطلحات وعلينا أن ننتقم للإسلام من كفره وإلحاده. ظللنا نفكر كيف وكيف وكيف، إلى أن اهتدينا لفكرة إحراق شقته أثناء غيابه وتوزعنا بمهمة المراقبة طوال اليوم.
 
وفي فجر أحد الأيام غادر الرجل شقته وانتظرنا للمساء، وتسلق كل واحد على الآخر حتى و صلنا لشقته وسكبنا الديزل بحسب المخطط على الكتب والمنشورات الإلحادية حسب التعبئة، حيث كان قد تكفل أحدنا بشراء الديزل، وبدأنا بغزوة إحراق الشقة. وكانت معركتنا الثانية لنصرة الإسلام بحسب تعبئة ذلك الشاب لنا، فصببنا الديزل في بقية الغرف وخرجنا. وبعد وقت قصير نفاجأ جميعا، وكنا فخورين بما قمنا به، بتطويقنا من قبل الأجهزه الأمنية، فيما تمكن ذلك الشاب من الهروب لأنه كان بعيدا عنا، وتم اعتقالنا وفي اليوم الثاني بدأ التحقيق معنا، هل نحن بعثيون؟
 
أو اشتراكيون؟
 
أو شوعيون؟
 
وبمن نحن مرتبطون؟
 
ونحن كالأطرش في الزفة مطننين من حجم هذه المصطلحات والتي لا نعرفها، ونتساءل بيننا كيف يتهموننا بهذا ونحن ننصر الإسلام؟ وكل سؤال يطرح ونحن مقعيين مثل الممثلين في مسرحية "الصعايدة وصلوا" ولا نعلم ما يدور حولنا  يطرحون علينا أسماء كثيرة لا نعرفها. وبعد شهرين من التحقيقات والتحريات، علمنا أنه بعملنا هذا المجنون، قد أحرقنا كل الأدلة والبراهين التي جاءت الأجهزة لتحريزها كبراهين وأدلة ضد ذلك الرجل المنتمي لحزب البعث الاشتراكي والذي كان  حينها كان محظورا فهرب إلى إثيوبيا حتى لا يتم القبض عليه وتم معاقبتنا شهرا إضافيا لشهري الحبس الأولين، حتى نبطل الفضول ولا نتدخل في ما لا يعنينا.
 
وتم الإفراج عنا بعد أن تأكدت الأجهزة الأمنية أننا مجموعة من المراهقين المغرر بهم، والهبالة مسيطرة علينا وأننا وقعنا في فخ أحد الأصوليين لتجنيدنا ضد الوطن. 
 
بعد هذه الحادثة، لم نعد نشاهد ذلك الشاب وتعلمنا ألا نعطي كل ثقتنا في كل صاحب لحية أو غريب. واختتم صديقي روايته قائلا: عاد ذلك الرجل الذي أحرقنا شقته بعد الوحدة وكان من يصلي بنا تراويح وأحيانا صلاة الجمعة وخطيبها.
التساؤل المهم: هل صديقي فعلا مشروع مجاهد في سبيل الله أم كان مشروع إرهابي، لطف الله به وأنقذه مع رفاقه المراهقين من براثن الأصوليين؟