مؤشرات تدني المستوى الفكري والعلمي والثقافي في أوساط المجتمعات العربية

01:42 2023/05/04

تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مقياساً مهماً يمكن من خلاله قياس المستوى الفكري والعلمي والثقافي لأي مجتمع أو شعب أو أمة، وذلك من خلال عمل مسوحات استطلاعية على الجوانب المادية والعلمية والروحية والحياتية التي يهتم بها أفراد المجتمع المراد تحديد مستواه الفكري والعلمي والثقافي والحضاري. فإذا كانت اهتمامات أفراد ذلك المجتمع تتجه بشكل أكبر نحو الجوانب العلمية والفكرية والثقافية والحضارية، دل ذلك على الرقي الفكري والحضاري لهذا المجتمع أو ذاك، وإذا كانت اهتمامات أفراد ذلك المجتمع تتجه بشكل أكبر نحو الجوانب الترفيهية والغرائزية والعاطفية، دل ذلك على التدني الفكري والعلمي لهذا المجتمع أو ذاك. 
 
وبالنسبة للمجتمع العربي، فإن القراءات الإستطلاعية والبحثية تؤكد بأن النسبة القليلة من أفراده من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي يهتمون بالبحث والقراءة في الجوانب الفكرية والعلمية والثقافية والبحثية، بينما الغالبية من أفراد المجتمع العربي من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي يهتمون بالبحث في الجوانب الترفيهية والغرائزية والعاطفية، وفي أحسن أحوالهم في الجوانب الرياضية والفنية، ويمرون على الجوانب العلمية والفكرية والثقافية وحتى السياسية والاقتصادية مرور الكرام. والدليل هو أن المواقع البحثية الفكرية والثقافية والعلمية تحظى بقدر ضئيل من المتابعة والاهتمام من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب، بينما المواقع الترفيهية والغرائزية والعاطفية، ومواقع الدردشات والغراميات، تحظى بقدر كبير جداً من الاهتمام والمتابعة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب. 
 
كما أنه تم ملاحظة أن الكتابات الفكرية والعلمية والثقافية التي يكتبها المفكرون والمثقفون والباحثون العرب، ويشاركون بها في وسائل التواصل الاجتماعي، لا تنال إلا على القليل من المتابعة والاهتمام، بينما كتابة عدد من الأحرف من فنانة أو ممثل أو فنان أو لاعب تنال الكثير من المتابعة والاهتمام. وقد أعطت هذه المؤشرات، وغيرها كثير، دلالة واضحة على تدنى المستوى الفكري والثقافي والعلمي والبحثي في المجتمع العربي. 
 
وبالتالي فلا يستغرب أحد من نمو وتكاثر مظاهر التفسخ والإنحلال الأخلاقي، وأيضاً نمو وتزايد جماعات التشدد والتطرف في المجتمع العربي، لأن التطرف والإرهاب وكذلك الانحلال والتفسخ هما وجهان لعملة واحدة، وهي عملة الإفلاس الفكري والثقافي والعقلي. والبيئة المناسبة لظهور مثل هذه الإعاقات الفكرية هي المجتمعات التي تعاني من تدني مستواها الفكري والثقافي والعلمي، لأن الفكر والعلم والثقافة هي مفاتيح الحضارة الإنسانية، وهي أقوى الأسلحة الفاعلة والعملية لمحاربة التطرف والإرهاب والتشدد، وكذلك لمواجهة كل صور الانحلال والتفسخ. 
 
ونحن هنا لسنا ضد الترفيه عن النفس، فالترفيه عنها جزء مهم من طبيعتها وله مردودات إيجابية عليها، ولكن في حدود الاعتدال والتوسط، وألا يكون على حساب العلم والفكر والثقافة. وليس كما هو حاصل اليوم في الوسط المجتمعي العربي الذي يقضي الكثير من أفراده جل وقتهم في مجال الترفيه والانحلال والتفسخ، على حساب إهمال الجوانب الأخرى العلمية والفكرية والثقافية والبحثية.
 
كما أننا لسنا ضد الاهتمام بالجوانب الروحية والدينية، فهي غذاء النفس وغذاء العقل، ولكن في حدود الاعتدال والتوسط، بعيداً عن التشدد والتزمت والتطرف والتقليد الأعمى، فلا إفراط ولا تفريط. وكما أن الانحلال والتفسخ ناتج عن تدني مستوى الوعي والفكر والثقافة في المجتمع، فإن التطرف والتشدد والتزمت هو نتاج نفس الأسباب.
 
لذلك حرص الإسلام أشد الحرص على تكوين الشخصية المسلمة بعيداً عن الإفراط والتفريط، وقريباً من التوازن والإعتدال والوسطية فخير الأمور الوسط. 
 
ومن المستبعد أن تجد إنساناً مهتماً بالفكر والثقافة والعلوم ، منغمساً في براثن التطرف والإرهاب أو التفسخ والانحلال، لأن الفكر والعلم والثقافة تنمي وتصقل قدراته العقلية والفكرية وتسير به نحو  الاعتدال والتوازن والوسطية والإيجابية في كل شؤون حياته، وتبعده أيضاً عن كل الأمور السلبية في كل شؤون حياته. كما أنها تحرره من كل صور التعصب والحقد والكراهية والبلادة الفكرية والتبعية العمياء وتقديس البشر، وتجعل منه عنصراً فاعلاً ومفكراً ومبدعاً في خدمة نفسه ومجتمعه وأمته والبشرية عموماً.