الأنبياء والرسل عليهم السلام .. واحدية الرسالة .. وواحدية المصدر ..!!

07:47 2023/07/30

لقد حظي الأنبياء والرسل عليهم السلام بمكانة عظيمة في الشرع الإسلامي ' مكانة إيمانية وعقائدية جعلت الإيمان بهم كأنبياء ومرسلين ومنذرين ومبلغين ودعاة للخير والرشاد والصلاح والفضيلة واحداً من أركان الإيمان الستة ' ولا يكتمل إيمان المؤمن إلا بهذا الركن العظيم ' وذلك للدور الكبير والتضحيات الجسيمة التي قدمها الأنبياء والرسل عليهم السلام في سبيل إنقاذ البشرية من الضلال والكفر والفساد والرذيلة والشر ' وهدايتهم وإرشادهم لطريق الفوز والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة ..!!

وكانوا عليهم السلام نماذج بشرية فريدة في سلوكياتهم وتعاملاتهم وأخلاقهم وتواضعهم وصبرهم ' وقناعتهم ' وإنتصارهم على نوازع الشر الموجودة في نفوسهم لصالح نوازع الخير ' ولم يكونوا يوماً عبيداً لغرائزهم وشهواتهم ' فلم يكونوا يوماً دعاة سلطة ولا دعاة مال ' بل لقد تركوا كل مغريات الدنيا خلف ظهورهم ' وأنطلقوا ينشدون الدار الآخرة ' وعندما كانت أقوامهم يعرضون عليهم الجاه والسلطان والمال والنساء مقابل ترك الدعوة إلى الله كانوا يرفضون كل تلك المغريات ' واختاروا طريق الدعوة بما فيها من المصاعب والمتاعب والأهوال التي تعجز أمامها النفوس الضعيفة ..!!

ليورثوا بذلك للبشرية ميراثاً عظيماً في كل مجالات الحياة ' فميراث الأنبياء والرسل عليهم السلام هي رسالاتهم السماوية الخالدة بما تحتوي من مبادئ إيمانية وفكرية وإنسانية وسلوكية وحضارية عظيمة ' وميراثهم عام لكل البشر وليس خاص بجماعة أو فئة معينة ' كما هو حاصل اليوم بعد قيام أتباعهم بتأطير دعواتهم ورسالاتهم في أطر شعبوية وعنصرية وحتى سلطوية تتعارض كل التعارض مع عالمية ومرونة وانفتاح دعواتهم ورسالاتهم ' التي تهدف جميعها إلى وجوب الخضوع والاستسلام والعبادة لله تعالى وحده ' وإلى عمران الأرض وبناء الحضارات الإنسانية على أسس الخير والتسامح والفضيلة والتنافس الإيجابي والتعايش السلمي ..!!

وما يؤكد كلامي هذا هو تلك الحالة من الترابط والتعاضد والإنسجام بين رسالات الأنبياء والرسل عليهم السلام ' إبتداءاً بأبوا البشرية آدم عليهم السلام وإنتهاءاً بالنبي العربي محمد عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والرسل ' فكل رسالة كانت تمهد الطريق للرسالة اللاحقة لها ' والرسالة اللاحقة تؤكد على ما جاء في الرسالة السابقة وتبين أنها إمتداد لها ولكل الرسالات الإلهية السابقة ' وتؤكد على وجوب الإيمان بكل ما جاء في الرسالات السابقة ' وهذا أمر طبيعي ومنطقي كونها جميعاً جاءت من مشكاة واحدة ومن مصدر واحد ' وكل منها تكمل الآخرى وتدعمها ' كما أننا لم نشاهد أي خلاف بين الأنبياء والرسل عليهم السلام ' وما هو حاصل من خلافات هو بين أتباع هذه الرسالات ' نتيجة إتباعهم لأهوائهم ونزواتهم ' وخضوعهم للأطماع والمصالح الدنيوية ' بل لقد وصل الحال إلى إنقسام وتفرق أتباع كل رسالة سماوية إلي فرق ومذاهب وطوائف مختلفة ومتنافرة ومتصارعة ..!!

كل ذلك الإختلاف والتفرق والكراهية رغم أن كل الرسالات من مصدر واحد ' ورغم أن جوهرها واحد ' وأهدافها وغاياتها واحدة ' يؤكد بأن كل الخلافات سواء الدينية بين أتباع الديانات السماوية أو المذهبية بين أتباع الديانة الواحدة ' هي صناعة بشرية تحت تأثير الأهواء والنزوات والأطماع السلطوية والمصالح السياسية والشخصية والمتاجرة بالدين ' ونتيجة سعي البعض إلي إحتكار الدين وصولاً لتوريثه ' بل لقد وصل التمادي بالبعض أن جعلوا من أنفسهم أوصياء على الدين ووكلاء لله على عباده ' يوزعون صكوك الجنة لمن يريدون ويمنعونها عمن يريدون ' ويحللون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون ' من خلال صناعة الأحاديث والقصص والروايات المكذوبة عن الرسل والانبياء عليهم السلام ' في صورة تعكس حالة الاستغلال السلبي للدين التي وصل إليها ضعاف النفوس من البشر ..!!

كل تلك السلبية الناتجة عن أهواء ونزوات ومصالح ضعاف النفوس من الأتباع ' ترتب عليها حالة الصراع والتباغض والكراهية السائدة اليوم بين أتباع الديانات السماوية من جهة ' وبين أتباع الديانة السماوية الواحدة من جهة ثانية ' دون إعتبار لواحدية الدين وواحدية المصدر وواحدية الهدف والغاية ' ودون مراعاة أو احترام للميراث الديني والفكري والأخلاقي الذي ورثه الأنبياء والرسل عليهم السلام للبشرية ' والذي يدعوا إلى الخير والفضيلة والتعارف والتعاون والتقارب والتعايش السلمي ' وبذلك فإن السلبية والعدائية السائدة اليوم في العلاقات بين أتباع الديانات السماوية ضد بعضهم أو بين أتباع الديانة الواحدة ' هو نتاج إتباع الأهواء والنزوات والأطماع والمصالح الشخصية والاستغلال السلبي للدين ..!!