الإهتمام بالشكليات والمظاهر في حياة المجتمعات العربية والإسلامية ..!!

10:37 2023/09/12

من الأمور التي تظهر سطحية المجتمعات هو الاهتمام الزائد بالشكليات والمظاهر ، والتقليد الأعمى لثقافات المجتمعات الأخرى ، وتحويل المناسبات الإجتماعية والدينية للتباهي والتفاخر على الآخرين ، والابتعاد عن الجوهر والهدف الحقيقي لتلك المناسبات والفعاليات يفقدها جمالها وروحانيتها ، فالمناسبات الدينية في الإسلام كالأعياد والاحتفالات تم فرضها لأهداف وغايات عظيمة وسامية ، من أهمها التراحم والتكافل وإدخال الفرحة إلى قلوب الفقراء والمساكين ، وتوثيق العلاقات الأخوية بين أفراد المجتمع الإسلامي من خلال تبادل الزيارات ، وتفقد أحوال بعضهم البعض ، والعظة والعبرة ، إنها أهداف غاية في السمو والعظمة ، ولكن للأسف تم تسطيح تلك الأهداف وإهمالها والإهتمام فقط بالشكليات والمظاهر والملابس والزينة والتفاخر ، في صورة تظهر سيطرة النزعة المادية على نفوس افراد المجتمع ، وتلك الممارسات أفقدت تلك المناسبات أجواءها الروحانية والإنسانية والتعبدية والجمالية ، وذلك بسبب التكاليف المادية التي ترافقها والتي يكون لها أثر سلبي على نفسية أفراد المجتمع ، فالكلفة المادية المبالغ فيها لأي مناسبة تفقدها جمالها وروحانيتها ..!!

لذلك نجد أن الروحانية والتراحم والتكافل والتآخي هي الهدف الرئيسي للمناسبات الدينية في الإسلام ، وبث روح الفرح والسعادة بين المسلمين هي الغاية والجوهر لتلك المناسبات ، فلم يكن للمادية والمظاهر والشكليات أي حضور في المناسبات الدينية في عصور الإسلام الأولى وخصوصا في عهد النبوة وعهد الخلفاء الراشدين ، حيث كانت الأجواء الروحانية والتعبدية هي المظهر العام لتلك المناسبات ، ولكن بعد توسع الخلافة الإسلامية في عهد الدولة الأموية بدأ الحضور للشكليات والمظاهر والماديات يتعاظم في المناسبات الدينية ، وذلك نتيجة الوفرة المادية لدى الحكام والرعية ، وتعاظمت الحالة في عهد الدولة العباسية والتي وصلت لحالة من البذخ والتباهي المبالغ فيه ، لتطغى المادية والمظاهر والشكليات على الروحانية في المناسبات الدينية الإسلامية ..!!

فأصبح المسلمون مع مرور الزمن يهتمون بالمظاهر والشكليات في مناسباتهم واحتفالاتهم أكثر من إهتمامهم بالجوهر والروحانية والإنسانية ، وتم تفريغ المناسبات من أهدافها الإيمانية والتعبدية الحقيقية واستبدالها بأهداف مادية شكلية ، ساهمت في تعقيد تلك المناسبات ، ليصبح المظهر والشكل هو الغاية والهدف ، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد ، بل إن السلطات الحاكمة لم تتردد في الاستغلال السياسي لتلك المناسبات ، كل سلطة بالطريقة التي تساعدها على تحقيق أهدافها السياسية ، وهي بذلك قد قامت بتسييس المناسبات والاحتفالات الدينية ، وتسييس أي شيء حتما يفقده جماله وروحانيته ، وما يزيد الطين بله إذا قامت السلطات بفرض الجبايات والاتاوات على المواطنين بإسم تلك المناسبات ، كل ذلك ساهم في تسطيح ليس فقط المناسبات والاحتفالات الدينية في المجتمعات الاسلامية ، بل ساهم في تسطيح دينهم وحياتهم بشكل عام ، فأصبح دينهم عبارة عن رياء وتملق ، وحياتهم عبارة عن تنافس شرس على المظاهر والشكليات والماديات ، فالصدقة قد تتحول إلى منَ وأذى إذا فقدت جوهرها وغايتها وإنسانيتها .!!

وعندما تفقد المناسبات الدينية جوهرها وروحانيتها وانسانيتها تتحول إلى كرنفال تنافسي مادي وشكلي ، ما يفقدها القدرة على التأثير الإيجابي في حياة افراد المجتمع ، ولا ننسى أن نذكر أن التجار وأصحاب رؤوس الأموال هم المستفيد الأكبر من الاهتمام بالشكليات والمظاهر في المناسبات والاحتفالات ، بل إنها تصبح بالنسبة لهم مواسم لكسب الأموال والأرباح الكثيرة ، بل إنهم ونتيجة للتطورات الصناعية لم يترددوا في ابتكار المزيد من الأدوات والمواد التي تزيد وتعاظم من الشكليات والمظاهر وتزيد من متطلبات واحتياجات أفراد المجتمع في المناسبات والاعياد والاحتفالات الدينية ، إنه الاستثمار التجاري والربحي والاقتصادي لتلك المناسبات ، لدلك إذا رأيتم الشكليات والمظاهر تطغى على الجوهر والأهداف الروحية والسلوكية والاجتماعية والانسانية والأخلاقية في المناسبات والاحتفالات والاعياد ، فإن ذلك مؤشر على أنها قد فقدت الأهداف والغايات التعبدية والإيمانية والإنسانية والاجتماعية والأخلاقية لها ، فكل شيء يفقد البساطة لصالح التعقيد . والجوهر لصالح الشكل ، والروحانية لصالح المادة ، والإنسانية لصالح السياسة والتجارة ، حتماً سوف يفقد جماله وروحانيته وسموه وعظمته ..!!