الشرق الأوسط الجديد .. مُخطط برعاية غربية أمريكية !

03:20 2023/10/06

كنا فيما مضى نقرأ عن مخطط إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية غربية أمريكية ، تقتضي تقسيم دول الشرق الأوسط أو بمعنى أصح تقسيم الدول العربية الكبيرة إلى دويلات صغيرة على أسس إثنية ومذهبية وطائفية ، وكنا نظن أنه من الصعوبة بمكان تنفيذ هذا المخطط ، خصوصاً في ظل الأنظمة القومية العربية التي كانت تحكم العديد من تلك الدول ، والتي كانت تطمح لتحقيق المزيد من التقارب العربي العربي في كل المجالات ، بهدف مواجهة التحديات والمؤامرات والمخططات الخارجية التي تستهدف الهوية والقومية العربية ، وتلك الممانعة القوية من تلك الأنظمة هي ما دفعت بالغرب والأمريكان إلى وضع الخطط الكفيلة بالقضاء عليها ، فكان الربيع العربي هو البوابة لتنفيذ تلك المهمة ، والتي كان المستهدف منها الأحزاب القومية العربية الحاكمة في العديد من الدول العربية ، تحت شعار الديمقراطية والتعددية والمدنية وحقوق الأقليات.. ولم يتردد الأمريكان والغرب في تقديم الدعم بكل صوره وأشكاله للقوى المعارضة وللأقليات القائم مشاريعها على أسس إثنية وطائفية ومذهبية ، وخاضت قوى المعارضة والأقليات حربًا شرسة ضد الأنظمة القومية العربية بدعم قوي وسخي من الأمريكان والغرب في كل المجالات ، تمكنت بموجبه من إزاحة الاحزاب القومية العربية من المشهد السياسي ..

وبمجرد خروج الأحزاب القومية العربية من المشهد السياسي ، تفاجأت حتى قوى المعارضة نفسها بظهور جماعات وقوى جديدة ذات نزعة إنفصالية ، لها أطماع في إنشاء كيانات ودويلات خاصة بها على أسس إثنية وطائفية ومذهبية داخل حدود الدول العربية المستهدفة ، وتسبب ذلك في تقسيم الدول العربية الكبيرة إلى عدد من الدويلات الصغيرة ( اليمن وليبيا وسوريا والعراق والسودان إنموذجًا ). وهذا الواقع القائم اليوم في المشهد الجغرافي والسياسي والثقافي والفكري العربي ، يندرج ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد ، ولم يتبقَ أمام نجاح هذا المخطط سوى عدد من الدول العربية الكبيرة مساحة وسكان ، وهي السعودية ومصر والجزائر ، ولولا فضل الله ثم فضل الثورة المصرية العربية المضادة لكانت مصر في ركاب الدول المقسمة والمجزأة اليوم لا سمح الله ، واعتقد أن سبب تأخير استهداف هذه الدول في الوقت الحالي ، هو التفرغ لتثبيت واقع الحال في الدول العربية التي سبق استهدافها ، وبعد ان يتم تحقيق ذلك الهدف ، سوف يتم التفرغ لاستهداف هذه الدول كوجبة أخيرة ليصبح مخطط الشرق الأوسط الجديد حقيقة وواقع ، ولتصبح بموجبه الدول العربية عبارة عن دويلات وكانتونات صغيرة مفككة ومقسمة ومتصارعة فيما بينها ، وهذا هو الهدف النهائي لمشروع الشرق الاوسط الجديد .

وتظهر مساعي الأمريكان والغرب في تثبيت واقع الحال في الدول العربية التي تم استهدافها وتفكيكها وتقسيمها ، من خلال المفاوضات والمباحثات ومندوبي الأمم المتحدة ومندوبي السلام ، والتي تسعى كلها ليس لإيجاد حلول للأزمات والخلافات القائمة ، ولا لتقارب وجهات النظر بين الفرقاء العرب ، بل استهلاك للوقت لتكريس واقع الحال كأمر واقع ، ومنح أنظمة الحكم الجديدة متسع من الوقت لبناء نفسها سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا ككيانات ودويلات  ناشئة في الجغرافيا الواقعة تحت سيطرتها ، وجعل المواطنين الواقعين تحت سلطتها يعتادون على حياتهم الجديدة ، بل إن السياسة الغربية الأمريكية تقتضي جعلهم يعيشون في حالة اللاسلم واللاحرب اطول فترة ممكنة ، ويتجرعون مرارتها وسلبياتها وآثارها المدمرة لكل مجالات الحياة ، حتى يأتي اليوم الذي يقبلون فيه بالوضع القائم ويقبلون بالسلطات الحاكمة الجديدة ، وبالتقسيم الجديد لأوطانهم ، بعد أن تنحصر أحلامهم وطموحاتهم في الخروج من حالة اللاسلم واللاحرب ، بغض النظر عن كل ما سيترتب على ذلك من نتائج ، لأنها ستكون أهون وأقل ضررًا من استمرارهم في الوضع الكارثي في حالة اللاسلم واللاحرب .

نعم لن نبالغ إدا قلنا بأن مخطط الشرق الأوسط الجديد يتم تنفيذه على مرأى ومسمع من كل الأنظمة العربية دون أي مقاومة تُذكر ، بل إن المتشددين والمتعصبين لطوائفهم ومذاهبهم وعرقياتهم وأحزابهم يساهمون بصورة أو بأخرى في إنجاح هذا المخطط ، بعد أن جعلتهم تلك التعصبات الضيقة يتخلون عن قوميتهم وهويتهم العربية، وعن مشروعهم القومي العربي الكبير لمصلحة مشاريعهم الصغيرة ، والطريقة الوحيدة المتاحة اليوم أمام الشعوب العربية لمواجهة هذا المخطط التآمري ، تتمثل في الالتفاف حول القومية والهوية العربية والترفع عن كل الخلافات البينية ، والابتعاد عن التعصبات والمصالح الضيقة بكل أنواعها وأشكالها ، وإذا ما نجحت الشعوب العربية في تحقيق ذلك ، فإنها سوف تكون قادرة على أخذ زمام المبادرة ، وقادرة على إفشال المشاريع الصغيرة التي يسعى مخطط الشرق الاوسط الجديد إلى فرضها كأمر واقع في حياتهم.

نحن اليوم في أمس الحاجة لنهضة توعوية وفكرية عربية ، تجعل من استنهاض الهوية والقومية العربية الهدف والغاية ، لمواجهة كل التحديات والأخطار المحدقة بالأمة العربية من كل جانب ، كمحاولة أخيرة لمواجهة المشاريع الصغيرة ذات النزعة الإثنية والطائفية والمذهبية ، التي تساهم في تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد ، على حساب تمزيق وتقسيم الدول العربية إلى دويلات وكانتونات صغيرة .