Image

بوتن يوقظ "عملاق أوروبا النائم" .. المانيا تتخذ قرارا هو الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية

في منعطف لافت للسياسة العسكرية التي ظلت برلين تتبعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، يوم الأحد، تخصيص 100 مليار يورو لصندوق خاص يستهدف تعزيز المنظومة الدفاعية للقوات المسلحة.
 
وقال شولتز بنبرة حاسمة أمام نواب البوندستاغ (البرلمان) الأحد: "سنؤسس صندوقًا خاصًا للجيش الألماني لاستخدامه للاستثمارات في مجال الدفاع. من الواضح أننا بحاجة إلى زيادة الاستثمار بشكل كبير في أمن بلدنا؛ من أجل ضمان حريتنا وديمقراطيتنا".
ودعا المستشار الألماني لضرورة إدراج الصندوق الخاص للجيش في الدستور، مع التنصيص على زيادة الإنفاق الدفاعي بأكثر من 2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، بدلًا من حوالي 1.5 في المئة".
 
ويعد إعلان شولتز الأحدث في سلسلة من التحولات الرئيسية في السياسة الدفاعية والأمنية الألمانية في نهاية هذا الأسبوع، بعدما دفع غزو روسيا لأوكرانيا أكبر قوة اقتصادية في أوروبا إلى تغيير سياستها العسكرية.
وفي أوقات سابقة، قاومت برلين ضغوطًا متزايدة من حلفائها في الناتو، ولا سيما الولايات المتحدة؛ من أجل زيادة إنفاقها الدفاعي.
 
ويأتي التحرك الالماني عقب اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، الأحد، وضع "قوة الردع" في الجيش الروسي، وهو تعبير يمكن أن يشمل عنصرا نوويا في حالة التأهب، وسط احتدام القتال في أوكرانيا التي يجتاحها جيشه ويرتفع منسوب التوتر مع الغرب إلى مستويات غير مسبوقة.
 
وصرح بوتن خلال لقاء مع قادته العسكريين نقله التلفزيون "آمر وزارة الدفاع ورئيس هيئة الأركان بوضع قوات الردع في الجيش الروسي في حال التأهب الخاصة للقتال"، حسبما أوردت وكالة "فرانس برس"، وأجاب وزير الدفاع سيرغي شويغو: "مفهوم".
واتهم بوتن الغرب باتخاذ خطوات "غير ودية" تجاه بلاده في اليوم الرابع من حرب أوكرانيا.
وبرر بوتن قراره منددا بـ"تصريحات الحلف الأطلسي العدوانية" تجاه روسيا، وانتقد العقوبات الاقتصادية "غير المشروعة" بنظره التي فرضها الغرب على روسيا ردا على غزو أوكرانيا.
 
منعطف ألماني خطير
 
وتشكل الخطوة علامة فارقة بالنسبة لألمانيا، التي تعرضت لانتقادات من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في الناتو؛ لعدم الاستثمار بشكل كافٍ في ميزانيتها الدفاعية.
ويرى مراقبون ومحللون في السياسات الدفاعية أنه كان لبدء الهجوم الروسي على أوكرانيا تأثير واضح على صُنّاع القرار في برلين، الذين وضعوا أيديهم على القصور الذي تسرب على مدار السنوات الماضية لكل مفاصل القوات المسلحة الألمانية، سواء فيما يتعلق بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية الألمانية، أو فيما يخص الموارد المالية واللوجستية المتوفرة لهذه الوحدات.
 
وبدا هذا القصور واضحًا للعيان بعد أن وجد الوسط السياسي الألماني نفسه أمام مساهمة "هزيلة" من جانب برلين، في تعزيز دفاعات حلف الناتو في شرق أوروبا، وعدم مقدرة الحكومة الألمانية على تقديم مساعدات عسكرية نوعية وفعالة للجيش الأوكراني في أزمته الأخيرة، وفق المراقبين.
 
قدرات عسكرية
 
تأسس الجيش الألماني منتصف عام 1955، بعد سماح الحلفاء لألمانيا بتسليح نفسها مجددا.
يأتي ذلك بعدما دخل الاستسلام غير المشروط للجيش الألماني حيز التنفيذ في مايو عام 1945، عبر وثيقة قانونية تم بموجبها إعلان الهدنة وإنهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا.
وكانت أول مهمة عسكرية دولية تشترك فيها ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، عام 1993 حينما منحت الحكومة الاتحادية تفويضاً للجيش الألماني للمشاركة في مهام قوات الناتو في يوغسلافيا السابقة.
 
 
ويقدر عدد قوات الجيش الألماني بحوالي 185 ألف فرد دون الاحتياط، وينقسم إلى 5 فرق قتالية.
وبحسب تصنيف "غلوبال فاير باور" لأقوى جيوش العالم، يحتل الجيش الألماني المرتبة 16 بين 140 جيشاً ضمهم التصنيف.
ويمتلك الجيش الألماني 617 طائرة متعددة المهام، و266 دبابة و9 آلاف و217 مدرعة، ويتكون أسطوله الحربي من 80 وحدة بحرية.
 
قرار ثوري
 
ووصف مدير شؤون الاتحاد الأوروبي بمجموعة الأزمات الدولية، جوزيبي فاما، في حديث خاص لـ"سكاي نيوز عربية"، قرار المستشار الألماني بـ"الثوري".
وذكر فاما بمجموعة الأزمات الدولية أن قرار استثمار 100 مليار يورو سوف يجعل من الميزانية الدفاعية الألمانية تتخطى نسبة 2 في المئة من الناتج المحلي حسب ما اتفقت دول الناتو بحلول 2024، ويدفعها لتطوير أسلحتها الرئيسية، وشراء معدات أكثر حداثة.
وبحسب رويترز، فإن ألمانيا قد تشتري طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35، لتحل محل الطائرة متعددة المهام "تورنادو" بعد تقادمها المتقادم في دور المشاركة النووية.
ومن المنتظر أن يبنى الجيل القادم من الطائرات المقاتلة والدبابات في أوروبا بالاشتراك مع شركاء أوروبيين، لا سيما مع فرنسا، وفي المستشار الألماني.
 
فبركة تهديد
 
من جانبها اتهمت الولايات المتحدة، يوم الأحد، الرئيس فلاديمير بوتن ب"فبركة تهديدات" بعدما وضع قوة الردع النووية الروسية في حالة تأهب، وسط تفاقم الأزمة الأوكرانية.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، عبر محطة "إيه بي سي" التلفزيونية عندما سئلت عن إعلان موسكو "هذا نمط رأيناه لدى الرئيس بوتين، طيلة فترة هذا الصراع، وهو فبركة تهديدات غير موجودة من أجل تبرير المزيد من العدوان".
وأضافت ساكي في تصريحات لبرنامج "ذيس ويك" على محطة "إيه.بي.سي"، "لم تتعرض روسيا في أي وقت من الأوقات لتهديد من حلف شمال الأطلسي، ولا هي تعرضت لتهديد من أوكرانيا".
 
وتابعت ساكي قائلة "هذا كله نمط مصدره الرئيس بوتن وسنتصدى له. لدينا القدرة على الدفاع عن أنفسنا، لكننا نحتاج أيضا أن نكشف ما نراه هنا من الرئيس بوتن".
وأشارت المتحدثة إلى أن الولايات المتحدة منفتحة على تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا، كما أنها لم تستبعد بعد أمر فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي.
وقالت "لم نستبعد تلك الخيارات، لكننا نريد أيضا أن نفعل ذلك، ونحن متأكدون من تقليص الأثر على الأسواق العالمية للحد الأدنى وأن نفعله بطريقة موحدة".
 
من جانبه، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، يوم الأحد، إن تحرك الرئيس فلاديمير بوتن لوضع القوات الروسية في حالة تأهب قصوى "أمر خطير وغير مسؤول" يضاف إلى النمط العدواني للزعيم الروسي فيما يتعلق بأوكرانيا.
وأضاف لشبكة "سي.إن.إن"، "هذا خطاب خطير. هذا سلوك غير مسؤول. وبالطبع عندما تربط هذا الخطاب مع ما يفعلونه على الأرض في أوكرانيا، من شن حرب على دولة مستقلة ذات سيادة والغزو الشامل لها، فهذا يزيد من خطورة الوضع".