Image

رمضان في اليمن.. مساحة سنوية للتعايش رغم الحرب

تلعب المناسبات السنوية وخاصة الدينية منها دورا بارزا في تعزيز روح التعاون والتكاتف بين مختلف الفئات في المجتمع اليمني وغيره من المجتمعات، رغم تعقيدات الظرف الراهن سياسيا وأمنيا ومعيشيا وعسكريا في البلاد. 
وتنجح هذه المناسبات وأبرزها شهر رمضان-أحد الأشهر الدينية- في خلق تفاعل حي وملموس بين الأسر في الريف والمدينة على حد سواء، ويتمثل ذلك التفاعل الإيجابي في مساعدة الآخرين ومد يد العون لهم وتبادل العطاء مع الناس كافة دون النظر إلى لون وانتماء وتوجهات الآخر. 
ويتفق اغلبية اليمنيين على أن شهر رمضان هو شهر التسامح والعفو والتعايش ويباشرون استقبال الشهر بالكثير من المبادرات والأعمال الخيرية فيما بينهم وفي الطرقات والأماكن العامة دون تمييز عرقي أو مناطقي أو حزبي.
وبطبيعة الحال تختلف رؤى وتوجهات اليمنيين في البيت والقرية والمدينة الواحدة سياسيا وفكريا لكنها تتوحد في واحد من أهم الأشهر الدينية السنوية ويتأقلمون مع بعضهم البعض في موائدهم ومجالسهم وغيرها من الأماكن كالمقاهي التي تجمعهم رغم الاختلافات المتعددة وخاصة الاختلافات السياسية. 
دور الإعلام والشبكات الاجتماعية
يسهم الإعلام ومواقع التواصل ودور العبادة في ترسيخ قيم التعايش والتسامح خلال رمضان وذلك عبر بث القصص الدينية ومسلسلات توعوية وتاريخية إلى جانب برامج الترفيه والتثقيف والبرامج الإنسانية في محاولة لتعزيز مبدأ الألفة بين الناس ومن جهة أخرى تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دورا بارزا في مساعدة الأفراد في الوصول للتسامح مع الآخرين وتبادل المحبة طيلة أيام الشهر. 
ويساهم البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع العاملين في الشأن الإنساني سواء كانوا مؤسسات أو أفراد في إيجاد فرص حشد الدعم من التجار والمغتربين وفاعلي الأخير للأسر النازحة المتعففة والمحتاجين من الأسر الفقيرة طيلة العام وفي رمضان بشكل مكثف حيث تكثر المشاريع الخيرية كما يلاحظ بشكل أو بآخر في الطرقات وفي مخيمات النازحين وفي عدد من الأماكن، وتعد هذه الميزة من أهم مميزات العوالم الافتراضية كونها تساعد على سد فجوات الحقد والعنف وخطاب الكراهية. 
وتسعى دور العبادة بأسلوبها الديني لتوحيد صف اليمنيين عبر تكثيف الحديث حول القصص الدينية والمواعظ التي تدعو للتسامح والعفو ومساعدة الآخرين بمختلف ألوانهم وجنسياتهم ومناطقهم. 
وفي هذ السياق يقول الدكتور مجيب الرحمن الوصابي باحث أكاديمي ومحاضر في جامعة عدن " رمضان هو شهر الخير والتسامح ، الشهر الذي يرسخ قيم التسامح والتعايش بين الناس" ويشير إلى أن" الدين يقوم في الأساس على أخلاقيات واحترام النفس البشرية بكل اختلافاتها، وتاريخنا مليء بمثل هذه السرديات التي تتحدث عن تراحم وتكافل الناس اجتماعيا"
 
ويضيف "مشكلة اليمن تكمن في الخطاب الموجه سواء في بعض دور العبادة أو وسائل الإعلام المختلفة والخشية على هذه المنصات التي يتوجب عليها توحيد الناس لا تمزيقهم ،  فالسياسة إذا دخلت في شأن أفسدته" كما يقول.
ويرى الوصابي " أن كثير من الأعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ركزت بشكل كبير على الجانب السياسي وفشلت في تحقيق الدعوة للتعايش والتكافل الاجتماعي في رمضان بينما واجبها الأساسي والاخلاقي أن تحث على الخير والتصالح" موضحا "هناك برامج تلفزيونية هي للاستهلاك ولم تحظ باقبال كما كانت في السابق رغم ماتحتويه من مساحات للخير والعمل الإنساني".
ويستدرك الوصابي " المعضلة هي في سيطرة المشهد السياسي على هذه الوسائل، الأمر الذي غيب الدور الاجتماعي الى حد كبير في مختلف الوسائل الإعلامية المؤثرة في البلاد".
ويلعب الفن الغنائي والأنشادي في رمضان دوراً في خلق روح تعايش وتكافل بين اليمنيين،  حيث غنى عدد من الفنانيين عن الحب والتسامح أبرزهم الفنان أيوب طارش عبسي ومن أغانيه عن رمضان "رمضان أطل على الدنيا و ورمضان يا صائمين وغيرها من الأغاني التي توحد مشاعر اليمنيين وتجمعهم رغم اختلافاتهم الكثيرة وتعزز آمالهم بحياة أكثر أمانا وسلاما عن التي تعيشها البلاد في ثامن أعوام الحرب. 
نماذج للتعايش في الريف والمدينة برمضان
تتفاوت اشكال التعاون بين اليمنيين في الريف والمدينة خلال شهر رمضان،  وتتنوع معه عادات وتقاليد الأرياف و المدن من حيث الوئام والقرب والتعايش وفعل الخير بين الناس والمبادرات الذاتية،  ففي المدن تقام الكثير من الولائم التي تعمل على تقريب اليمنيين من بعضهم رغم الاختلافات والانتماءات وفي المقابل يلتحم أهالي الأرياف وتتوحد مشاعرهم تجاه بعضهم البعض بشكل ظاهر. 
ومن نماذج التعايش الرامية الى خلق الفة بين اليمنيين قيام المجلس العزابي في مدينة عدن "جنوبي اليمن" في ظل تعقيدات الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي خلفتها الحرب بدعوة إفطار جماعي سنويا كواحدة من أهم الدعوات التي تعزز روح التعايش بين مئات الشباب الذين ينضمون للدعوة الجماعية من أبناء مدينة عدن وغيرها من مدن وارياف البلاد المتواجدين في عدن. 
في المقابل أعتزم أهالي ريف القبيطة في محافظة لحج افتتاح المطعم السنوي لإفطار المسافرين في الطريق الرابط بين لحج وعدد من المحافظات اليمنية وفي هذا الصدد يتحدث الصحفي علي القباطي أحد المتطوعين في المشروع الإنساني " افتتاح الأهالي مطعمين أعلى وأسفل النقيل الرابط بين ريف لحج والمحافظات الأخرى وذلك لتقديم وجبتي الإفطار والسحور للمسافرين الذين يعرقلهم الطريق الجبلي الوعر خاصة أن الخدمات المعيشية في الطريق غائبة لذا يعتمد المسافرون على مبادرات الأهالي حتى في الأيام العادية. 
ويشير القباطي أن "أسر القبيطة تدعم المطعم  بوجبات إضافية يومية إلى جانب دعم فاعلي الخير ومنهم عبدالحكيم ردمان وشركة السعيد للتجارة". 
 
ويذكر القباطي أن المشروع" بدأ كفكرة في المنطقة قبل أربع سنوات ترافقت مع ارتفاع عدد المسافرين الذين بينهم في الغالب نساء وأطفال وشيوخ جراء تعرقلهم في النقيل الذي يشهد حوادث بشكل مستمر وسط غياب اللسلطات" كما يقول.
تم انتاج هذه المادة بالتعاون مع مركز الدراسات والإعلام الاقصتادي