المنطقة بمرحلة حساسة، تحتاج حسابات دقيقة

03:29 2022/10/17

ربما لم تمر منطقتتا بأوضاع جيوسياسية معقدة مثلما هو الحال الآن منذ انتهاء السيطرة العثمانية ومرحلة الاستعمار المباشر. 
 
وظيفة الفاعلين في السياسات رصد وتحليل المتغيرات السياسية والتحولات، وكذلك التفاعل معها وعدم الانعزال عن مجريات النظام الدولي القائم رغم كل المآخذ عليه.
 
نحن أمام مشهد لصراع دموي بين أمريكا وأوروبا من جهة، وروسيا وحلفاءها القلة من جهة أخرى، ولهذا الصراع مخاطر جمة على منطقتنا العربية وبدىت شظاياه تتناثر على رؤوسنا أو بقربنا، وما تداعيات أزمة الطاقة إلا وجه من أوجه هذا الصراع.
 
ثم إن الذي من أولويات العرب والخليج العربي خصوصا الآن وفي المستقبل هو كيفية درء الخطر الإيراني المحيط بدولنا العربية.
 
وقد لاحت فرصة تاريخية للتخلص من نظام ولاية الفقيه.
 
علينا أن نبذل كل جهد وتنسيق لعدم إضاعتها بمختلف الوسائل العلنية أو السرية.
 
فمثل هذه الفرص ربما لا تتاح إلا كل اربعة عقود من الزمن.
 
النظام الإيراني إن سقط سوف تشهد المنطقة استقرارا وأمنا وازدهارا تاريخيا.
 
ولذا فمهمة صانع القرار هو الاستفادة من البيئة الخارجية وتوظيف عواملها لصالح حشد الاعلام والمواقف الغربية والامريكية باتجاه تسريع انتفاضة الشعوب الإيرانية، والتي تقود هذه الانتفاضة الجبارة نساء إيران وتستحق أن تدعى بثورة النساء. 
 
ليس مطلوبا رفع حالة الطوارئ أو إعلان مواقف سياسية مستفزة لحكم الملالي فحسب، إنما تنشيط الإعلام والمنظمات الدولية والحقوقية وبرلمانات أوروبا والتي تحركت فعلا، فلأول مرة تقوم سبع وزيرات خارجية في أوروبا بقص شعورهن تضامنا مع ثورة نساء إيران. 
 
لا يختلف اثنان على أهمية ودور الولايات المتحدة الأمريكية في صنع القرارات العالمية مثلما أشار لذلك ضمنا السيد عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي. ومع كل مساوئ إدارة بايدن تبقى أمريكا الدولة العميقة التي ترسم سياساتها وخططها دوائر ومؤسسات.
 
لذا ينبغي عدم استفزازها في ملف الطاقة لأنها أصلا حليف استراتيجي لدول الخليج العربي منذ سبعة عقود والنظر إلى روسيا دولة صديقة. ولكن ليست بحجم تأثير أمريكا وأوروبا فأستطيع أن أصف روسيا بدولة أفراد.
 
وما نراه من أجسام سياسية ودستورية هي صورية والحاكم الفرد بوتين إن سقط لأي سبب ستنهار روسيا وتضعف مثلما حصل عند وفاة السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي القوي أندروبوف، خلفه زعيم ضعيف غورباتشوف فكك الاتحاد السوفييتي السابق وىكمله الرئيس السكير بوريس يلتسن. 
 
صحيح أن بوتين زعيم قوي أعاد وهج وقوة روسيا، إلا أن نتائج حربه في أوكرانيا لم تكن بمستوى توقعات الخبراء العسكريين لا قوة السلاح ولا فعالية الأفراد. فهل يعقل ىن روسيا تستعين بطائرات مسيرة من عمائم إيران!
 
روسيا حليفة قوية لإيران وليس بمستوى علاقاتها مع العرب، فهي ستقف إلى جانب إبقاء النظام الإيراني، وهذا لا يخدم متطلبات أمن المنطقة.
 
ثم إن غياب بوتين لأي سبب سيضع روسيا في وضع صعب جدا  والحرب طالت والرىي الأنجع التفاهم وعدم الاصطدام مع الغرب وىمريكا في ملف الطاقة لأن هذا الغول توحش ويمكن أن تلجأ مؤسسات أمريكية مثل الكونغرس أو وزارة المالية أو حتى البنك الفيدرالي إلى تشريعات أو قرارات تجميد أموال أو عقوبات أو فتح ملفات تلحق ضررا بمنطقتنا سوف يستفيد منها الحكم الإيراني فقط.
 
مزيد من الحكمة وقليل من البراغماتية أسلوب ناجح في تصريف السياسات لأن المتغيرات سريعة وخطيرة. 
 
يذكر حامد حمادي سكرتير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين رحمه في مذكراته غير المنشورة أن الرئيس تلقى برقية من أخيه الراحل برزان التكريتي وكان وقتها سفيرا لدى المقر الأورربي للأمم المتحدة تفيد بأن لديه رسالة جد مهمة من جهة مهمة يطلب إرسال شخص موثوق من بغداد لتسلمها. وفعلا وضعت المغلف والرسالة أمام الرئيس صدام وكان مضمونها اختصارا:
 
أنتم الآن في أواخر عام ١٩٨٩ خرجتم  بأكبر رابع جيش في العالم وتمتلكون قدرات وخبرات قتالية مهمة واسلحة فتاكة نحن لا نطلب منكم شيئا سوى أن تتركوا قضية فلسطين وموقفكم المتشدد منها وسوف نترك لكم زعامة العرب والشرق الأوسط!
 
يقول حمادي عاد البريد مهمشا بالحبر الأحمر بخط صدام (لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي لن أعدل عن هذا الامر). وكان في مكتبي متواجدا أحمد حسين رئيس الديوان ولما قرأنا هامش الرئيس قلنا بصوت واحد ذهب العراق.. وبقية القصة معروفة. 
 
* كاتب وأكاديمي من العراق