الحضارة اليمنية... عراقةٌ وأصالة...!!

10:00 2022/11/05

أكدت الدراسات والأبحاث التاريخية، أن الحضارة التي نشأت في جنوب الجزيرة العربية، تعتبر من أقدم وأعرق الحضارات الإنسانية على وجه الأرض، وقد أطلق عليها المؤرخون اسم بلاد العرب السعيدة. وقد ازدهرت تلك الحضارة اِزْدِهَارًا كبيراً، في شتى نواحي الحياة، وكان السبئيون هم أول من تمكن من السيطرة على الماء، حيث بنوا السدود والحواجز المائية في طول وعرض اليمن، ولا زالت هناك الكثير من الآثار الشاهدة على ذلك، وأهمها سد مأرب العظيم. وقد ذكر القرآن الكريم مدى الحضارة والرفاهية التي وصلت إليها دولة سبأ، وقد سميت سورة في القرآن باسم سبأ، دون غيرها من الحضارات، وفي ذلك دلالة واضحة، على أهمية ومكانة تلك الحضارة، في التاريخ الإنساني، قال تعالى ((لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آية جنتين عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدةٌ طيبةٌ وربٌّ غفور))...!!
 
إن الآية القرآنية السابقة فيها من الوصف والتعريف بمدى تقدم وازدهار حضارة سبأ، ما يغني عن الشرح والتوضيح. وقد كان ملوك دولة سبأ، والذين كان يطلق عليهم تبابعة ، ومفردها (تباع)، يقودون الجيوش القوية، لبسط سيطرتهم على مناطق واسعة جداً، حيث تؤكد بعض الروايات التاريخية، بأن حملاتهم العسكرية كانت تصل إلى شمال الجزيرة العربية، وبعضها يقول إنها وصلت إلى حدود الصين والهند. وهناك من المؤرخون من ذهب إلى أن ذو القرنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، كأعظم قائد عسكري في تاريخ البشرية، هو أحد التبابعة السبئيين. واللافت في الأمر أن الحضارة اليمنية، تعتبر الحضارة الوحيدة التي امتد تاريخ بقائها لأكثر من ٢٥٠٠ سنة متواصلة، كما يقول بعض المؤرخين، وإن تعددت المسميات (أوسان، قتبان، حضرموت، سبأ، حمير)، وذلك بسبب الانقسامات الداخلية. وفي بعض الفترات التاريخية ولظروف متعددة، كانت تخرج من اليمن هجرات خارجية، إلى مناطق خارج حدود اليمن، وأهمها الهجرة التي حدثت بسبب انهيار سد مأرب، وقد توزعت تلك الهجرات، على امتداد الشريط الساحلي للخليج العربي، وفي مناطق متفرقة من الجزيرة العربية، وبعضها استقرت في بلاد الشام وشمال أفريقيا...!!
 
والأمر الذي يحز في النفس، أن تلك الحضارة العريقة، لم تأخذ حقها من التوثيق في كتب التاريخ، كما أنه وبسبب التدخلات الخارجية الاستعمارية السلبية والجهل والتخلف الذي عاشته اليمن، في بعض الفترات التاريخية، تم العبث بالآثار الحضارية، حيث تم تدمير وتخريب الكثير منها، إما بحثاً على كنوز، أو استخداماً لأحجار تلك المدن والقرى التاريخية، باستثناء بعض المناطق التي تمكنت الدولة في الفترة الأخيرة، من بعد قيام الثورة اليمنية، من الحفاظ عليها، وللأسف لقد تم خروج الكثير من القطع الأثرية اليمنية الصغيرة النادرة إلى الخارج عن طريق البيع والتهريب والسرقة. لكن ومهما حصل من تخريب وعبث وبيع وسرقة لآثار الحضارة اليمنية، فإن تلك السدود التي شيدها الإنسان الحضاري الراقي اليمني، ومكنته من تطويع مياه الأمطار والسيطرة عليها، وتلك المدرجات العالية، التي شيدها على جنبات الجبال العالية، ومكنته من تطويع تلك الجبال واستغلالها أمثل استغلالا، ستظل خير شاهد ودليل على عراقة وأصالة وعظمة الحضارة اليمنية، على مر العصور والأزمان...!!
 
لذلك من حق كل مواطن يمني أصيل ينتمي إلى هذه الأرض والبلدة الطيبة، أن يفخر ويعتز بحضارته وتاريخه وأصالته، وأن يستلهم من تلك الحضارة كل قيم العطاء والفاعلية الحضارية الإيجابية، وأن تكون له دافعاً للعطاء والبناء والتقدم، وتحدي كل الصعاب والمحن، وحافزاً لكل أبناء اليمن لتوحيد الصفوف، وترك الخلافات الداخلية جانباً، والجلوس إلى طاولة الحوار، لإخراج اليمن من أزمته الخانقة، وإعادته إلى طريق البناء والحضارة والتقدم من جديد. هذه مقتطفات من تاريخنا العظيم، وحضارتنا الخالدة، التي من المفترض أن تؤثر فينا بشكل إيجابي، وتصنع في داخلنا الإيجابية، وتدفع بنا نحو الريادة والتحضر، والتقدم، وتجعلنا ننشد المستقبل الأفضل، في ظل التعايش السلمي مع جميع البشر، ومع جميع الحضارات، وتجعل منا دُعاة للسلام والحياة والبناء والتطور، وتجعلنا نرفض كل الدعوات، التي تدعون إلى السلبية والكراهية، والعنف، والتطرف، والإرهاب...!!