Image

كيف سنستعيد الدولة بطابور طويل من ماسحي الجوخ؟!

يدرك الجميع أن مخطط استهداف اليمن في أمنه واستقراره بدأ في مؤامرة فبراير 2011 حينما تحالفت ادوات الشر (الاخوان والحوثي) رافعين شعار إسقاط النظام بمفهوم الدولة، مغررين بالشباب بعد أن أخرجوهم إلى الشوارع والساحات للمطالبة برحيل الزعيم علي عبد الله صالح رحمة الله عليه.
 
أرادوا من تلك المطالب ترحيل الوحدة اليمنية إلى ما قبل البراميل الشطرية، وهو ما كشفه الشهيد الزعيم محذرا من المتأبطين شرا باليمن وتفتيته ليس إلى دولتين فقط، بل إلى أربع دويلات وكنتونات متناحرة.
 
اليوم يتحقق ما كان يحذر منه الرئيس الوحدوي ورائحة المخطط تفوح وهو يستوي على نار هادئة. وما الحرب التي أشعلها الحوثيون إلا امتداد لما سموه ثورة الشباب التي ندفع اليوم ثمنها من قتل وتدمير وتشريد ونزوح، تسير صوب التقسيم تحت مسميات شتى.
 
هناك حقيقة بائنة للعيان تؤكد أن من تولى قيادة البلد بعد الرئيس صالح ما هي إلا أدوات وظيفتها تفكيك الدولة وفق مخطط "يسقط النظام"، ليتم إدخال اليمن في حرب ليس لها هدف غير تقسم البلاد من خلال أدوات الحوثي التي ادخلها عبدربه منصور هادي إلى عمران ومنها إلى صنعاء.
 
في الوقت الذي كنا نعتقد أن الرئاسة والحكومة والقادة العسكريين شكلوا خلية موحدة يخوضون من خلالها حرب استعادة الدولة، بعد سقوطها في انقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية، نكتشف أنهم جميعا دون استثناء يستثمرون الحرب في تحقيق ثراء ومكاسب شخصية، لدرجة أنهم يرفضون ترك الفنادق ومخصصات المنصب والعودة إلى القصر الجمهوري حربا أو سلما. 
 
ووصل الأمر بهم أن يخوضوا معارك عبر الإعلام بعيدة كل البعد عن أرض المعركة، فيقيسوا المسافة ويضعوا المطبات للحيلولة دون التحرير الناجز.
 
خلال سنوات الحرب أسمعونا أغاني حاكوا من خلالها الفلسطنيين في الثورية لمقاومة للاحتلال الإسرائيلي، مع فارق أن تلك الأغاني أشعلت العالم العربي، بينما عندنا كانت بمثابة تخدير لكل متطلع للنصر وكسر عنجهية الحوثي والتي كانت تزداد مع كل سنة تمر من عمر الحرب الوطنية، حتى وصلنا اليوم إلى ما نحن عليه.
 
تجار حرب يستجدون السلام من موقف ضعيف، وكل يوم يناشدون العالم من أجل التوسط لدى عصابة مارقة. تحدثوا وأسهبوا أن تعز مفتاح النصر إلى صنعاء. وفي زحمة المصالح أضاعوا المفتاح، فطالت المسافة إلى القصر الجمهوري بعد أن حددوها بعشرين كيلومترا بقياس "قادمون يا صنعاء". وبدأنا  نسمع عن "انسحابات تكتيكية" و"إعادة تموضع" و"منتظرين التوجيهات للتحرك وحسم المعركة".
 
خلاصة القول أن الله ابتلانا  بمسؤولين مهمتم مسح الجوخ مقابل تحصيل الفتات من الدول الخليجية والغربية ونهب ما يصل من مساعدات دولية لضحايا الحرب، ومسؤولين لا يجيدون سوى تغريدات تمدح هذا وتطبل لذاكج ويديرون الدولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ( تويتر وفيس بوك) بمنشورات جوفاء للابتذال السياسي يراد منها مكاسب مالية فقط.
 
تسع سنوات ذابت فيها كافة أركان الدولة وعلى رأسها المجلس التشريعي المفقود والذي لم يسأل مجلس القيادة الرئاسي بعد عام من الوعود التي أطلقها في الجلسة اليتيمة ما الذي أنجزه من تلك الوعود الفضفاضة وفي ملف السلام باليمن، وهل لديه خيار حقيقيا لخوض الحرب. لم يسأله شيئا. 
وكيف له ذلك وهو صامت عن فساد الحكومة ورفع بها لجانا شكلت من المجلس أو رفعت من الجهات المختصة. 
 
فتحول المجلس التشريعي إلى غطاء لفساد الحكومة في إطار تخادم المصالح التي تتخذ قرارات كارثية ضاعفت من حدة الأزمة الاقتصادية جراء تحول السفن من ميناء عدن إلى الحديدة وتكبيد خزينة الدولة مئات من المليارات، إلى جانب فساد الطاقة الكهربائية المشتراة وعقود النفط والمناقصات... الخ. 
 
كنا نعتقد أن الحرب لن تطول وتمتد إلى الريف والحضر في كافة بقاع الأرض اليمنية إلا أننا دخلنا عمرها التاسع ولم تعد استعادة صنعاء من أولويات المجلس الرئاسي المشكل مؤخرا، خاصة أن الوحدة اليمنية أصبحت تهددها مشاريع الكنتونات وتقسيم المقسم ومنح صكوك الإدارة الذاتية فهل بهذا التشرذم أن نتحدث عن استعادة الدولة بطابور طويل من الفاسدين من رأس هرم الدولة إلى القاعدة. 
 
اليوم، وظيفة الشرعية أصبحت فقط التحذير من انزلاق الأوضاع ودعوة المجتمع الدولي إلى الضغط على الحوثيين وتقديم المزيد من الدعم ومطالبة العصابات بأن تكف عن حربها الاقتصادية... ضعف ليس بعد ضعف. 
 
من المؤسف أن يقوم بعض اليمنيون من خلال الحالة الطارئة اليوم بتنفيذ مخططات إقليمية ودولية وضعوها منذ سنوات طويلة بهدف تقسيم اليمن وتحويلها إلى كنتونات موزعة هنا وهناك، تديرها مليشيات مسلحة جل همها النهب والثراء، فيما يعاني المواطن من الفقر والضياع والامتهان.
اليوم يجري على قدم وساق فصل حضرموت، والتي أصبحت أنموذجا لهذا المشروع التقسيمي والتفتيتي للجسد اليمني المنهك إن صحت العبارة.
 
نجد هناك من يحاول الآن أن يجزئ اليمن ويسلخ محافظة حضرموت ويقسمها إلى أجزاء صغيرة تحت مسمى "الحكم الذاتي"، والذي يهدف بالأساس إلى خدمة أطماع ومشاريع خارجية لطالما حاولت تنفيذ هذا المخطط، والتي فشلت فيه. لكنها تعود الآن معززة بأفكار جديدة لإعادة تنفيذ مخططها على حساب اليمن الكبير وبأياد يمنية للأسف، بدلا من تجميع المليشيات في إطار جيش وطني قوي كما كانت التعهدات والوعود التي ذهبت أدراج الرياح وكانت ضحك على الذقون، وأثبتت الأيام أنهم منفذو أجندات خبيثة.
 
علينا أن نؤمن بحقيقة أن بتر النتوءات الانفصالية وسرطان الحوثي من الجسد اليمني لن يتأتى بالانقسامات والتشردم والدعوات إلى تمزيق اليمن بمسميات الإدارة الذاتية والشعارات البراقة، والتي تجعل من حضرموت منطلقا لتعميم الفرقة والانقسام فيما تبقى للشرعية من مساحة تحكمها من خارج البلد أو أن تتحول الشرعية ومليشياتها المتعددة لمنافسة الحوثيين في التهريب وفرض الجبايات المتعددة. 
 
ولهذا، نقول إن الكنتونات التي يروج لها كحل لمشكلة الانقسامات هي في الأصل توسع المسافات بين اليمنيين وتحمل في طياتها أهدافا خبيئة لابتلاع الشرعية والوحدة الوطنية واليمنية وتفسح الطريق أمام الحوثي للمضي بمشروعه دون أن تعترضه القوات الحكومية التى تحولت إلى مليشيات تتبع هذا وتؤمن بذاك، دون أن تحمل عقيدة عسكرية ولاؤها لليمن الموحد والكبير، والتي سوف تذوب كما يذوب الثلج في كنتونات المجلس الرئاسي.