Image

المطبات شرايين حياة للأسر الفقيرة لتوفير احتياجات رمضان في اليمن

يسابق شروق الشمس ليسبقها أحيانا، وأخرى تسبقه إلى المكان الذي يقف عليه ساعات طويلة لبيع مياه الشرب على المارة في وسط الطريق ليس عبثا، بل لمساعدة أسرته في توفير لقمة العيش التي باتت صعبة المنال في ظل حرب تشهدها البلاد منذ سبع سنوات.
 دمرت الحرب اقتصاد البلد والأسرة وارتفعت أسعار الغذاء وانقطعت الأعمال والوظائف وتوقف الدخل، حتى خرجت الأسر بأطفالها وكبارها للعمل على توفير لقمة عيشها وأبسط إحتياجات شهر رمضان الذي يطرق الأبواب ليحل ضيفا ثقيلا بهموم توفير حاجته، خفيفا بطقوسه الدينية.
يقول الطفل بشار محمد ( 12 عاما) وهو يجلس على كراتين علب المياه التي يبيعها: "منذ طلوع الشمس وأنا في هذا المكان وسابقى حتى الضهيرة ثم أغادر لشراء (المقاضي) حاجات المنزل وأعود إلى البيت". 
 بشار ليس وحيدا اتخذ من أحد مطبات الطريق الرئيسي، وبالقرب من سوق الشبواني الشعبي في مأرب، مكانا لبيع علب مياه الشرب على المارة، بل إلى جواره أحمد وعبد الله وعلياء وأنس الحرازي، جميعهم لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة، وكلهم يعملون لكسب لقمة عيش أسرهم.
حيث يتحد الأطفال الخمسة في سبب عملهم وسط الشارع وتحت أشعة الشمس. كما يتفق الأطفال في سبب اجتماعهم في مأرب كنازحين بسبب الحرب، تختلف مناطق ومحافظات انتمائهم، فقدم حدهم من حجة وآخرون من تعز وريمة وذمار والحديدة، جمعتهم المعانة والفقر على المطب الذي يعد شرايين حياة لهم ولأسرهم.
 
يتحدث بشار، ذو البشرة السمراء، المنحدر من محافظة تعز، أنه يجتمع برفقته الأربعة كل يوم في هذا المطب ومنذ أكثر من عام؛ حيث اتخذ كل واحد منهم زاويته المحددة لبيع علب الماء والمنديل الورقية دون شجار أو اختلاف حتى اليوم.
يتغيب بشار، كما يقول، عن رفاقه أثناء الدوام الدراسي؛ يلتحق بالمدرسة صباحا ويعود إلى الشارع نهارا. فهو ملزم بتوفير جزء من احتياجات أسرته الصغيرة التي تسكن على أطراف مخيم المطار شرق مدينة مأرب.
يوجد في مأرب أكثر من مليوني نازح موزعين على 195 مخيما وتجمعا للنازحين، بحسب تقرير حديث لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، وجميعهم يشبهون حياة وأوضاع بشار ورفاقه ولا يختلفون بأساليب العيش كثيرا .
فالحرب التي انطلقت شراراتها مطلع العام 2014، لم تهدأ بعد حتى اليوم، وأثرت على الاقتصاد الوطني للبلد وطحنت المواطن وزادت من أوجاعه وفقره، وليس فقط الشتات والنزوح والتشرد الذي يتجرعه اليمني اليوم كما يرى العالم الخارجي.
ارتفعت أسعار الغذاء إلى 5  أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب، لكن انقطاع المرتبات وتوقف العمل في الكثير من القطاعات الخاصة والحكومية وإفلاس الكثير من التجار والمشاريع وانقسام المصرف المركزي للبلاد بين عدن وصنعاء، وانقسام قيمة العملة الوطنية بين أطراف الصراع. كل ذلك زاد من ورمى بثقله وتبعاته على ظهر المواطن النحيل، والذي يسقط كل يوم من حمله الثقيل الذي لا يحتمل؛ حيث إن اليمن يعيش أسواء أزمة إنسانية في العالم بحسب تقارير الأمم المتحدة .
 
المهاجر ملكيسا 
 
وعلى بعد كيلومتر فقط من بشار ورفاقه، اتخذ المهاجر الإثيوبي ملكيسا إبراهيم (12 عاما) من أحد المطبات في شارع صنعاء وسط مدينة مأرب لبيع علب الماء للمارة. ورغم أنه بالكاد ينطق العربية جيدا، كونه حديث الوصول إلى اليمن، إلا أنه يعمل جيدا، أفضل من البقاء دون عمل لتوفير الطعام كما يقول.
 
ليس النازحون وحدهم من احتوتهم مأرب، بل إنه بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين من القرن الأفريقي 350,000 فرد حسب إحصاءات رسمية صادرة عن مكتب الإحصاء ومكتب التخطيط ومكتب الوحدة التنفيذية بالمحافظة للعام 2021، يعيشون ظروفا صعبة وقاسية ليس ببعيد عما يعانيه اليمني النازح في مأرب .
ومع دخول شهر رمضان المبارك الذي بات على الأبواب ضيفا ثقيلا بحاجاته ومتطلباته الكثيرة في البيوت اليمنية عادة، زادت الأعباء والأوجاع على الأسر النازحة والمعدمة.
إلا أن ذلك موسم أيضا شهد منذ أيام قليلة انخفاضا لقيمة الريال المحلي أمام العملات الأجنبية، ذلك أدى إلى ارتفاع أكبر  لأسعار المواد الغذائية في الاسواق المحلية مما يزيد الامر تعقيدا لدى المواطن.
كل ذلك أدى إلى أن تدفع الأسر النازحة بكل من يستطيع العمل في أوساطها ذكور أو إناث لا فرق، وذلك للعمل في الشارع كل في ما يستطيع وما يناسبه ومن ذلك التسول وبيع الزينة الخاصة بالمركبات والمساويك وغيره الكثير.
وباتت الجولات والمطبات وتقاطعات الطرق القريبة من مخيمات النزوح تزدحم منذ ساعات الصباح الأولى بالنساء والأطفال الباعة والمتسولين، لكنه زاد انتشار الأطفال الباعة قبيل شهر رمضان في مختلف الأماكن وزوايا الشوارع لا لشيء غير مساعدة الأسر في توفير لقمة عيش كريمة.