Image

الحرب إذ تضاعف جرائم الإخفاء القسري

كنت عائداً إلى مسقط رأسي في مديرية التعزية بمحافظة تعز. وفي الطريق الفرعي الرابط بين محافظتي عدن ولحج، استوقفتني نقطة أمنية وطلبوا مني وثائقي الشخصية، ثم دفعوا بي إلى غرفة مظلمة جوار النقطة العسكرية. بهذهِ الكلمات يختزل عبد الله محمد  28 عاماً (اسم مستعار) وجعه الممتد في المُعتقل لمدة 4 أعوام بلا تهمة واضحة.
 
يروي عبد الله  لـ"المنتصف" قصته قائلاً: "كنت أصرخ أثناء تعذيبي بسلك كهربائي غليظ، وأسألهم عن السبب الذي جعلهم يفعلون بي كل هذا، وكانوا يخبرونني بأنني متورط بقضايا إجرامية في عدن". 
ويضيف: "كنت أتوسل إليهم وأنتجي بهم، لكن ذلك لم يشفع لي، حيث تم تحويلي إلى مكان مجهول، وتم احتجازي هناك لمدة 4 سنوات بذمة تهمة كيدية لا أعلم عنها شيئاً، ثم تم الإفراج عني بعد كل هذهِ المدة بشكل مفاجئ، بعد أن كنت فاقدا الأمل".
وفي حديثه لـ"المنتصف"، يقول الناشط الحقوقي القسام ناصر إن قضايا المخفيين قسرًا يجب أن تكون في عين الاعتبار لدى الأمم المتحدة للإفراج عن المدنيين، نظرًا لمعاناة آلاف اليمنيين من أقارب المخفيين قسرًا، الذينّ يبحثون عن مصير ذويهم، وخاصةً الصحفيين والناشطين الذين يتعرضون للتعذيب والحرمان.
ويتابع ناصر: "على أطراف الصراع احترام القانون الإنساني الدولي الذي يحرم اتخاذ المدنيين رهائن، ووقف ممارسات التعذيب وسوء المعاملة، وإصدار ملفات تتضمن أسماء المخفيين قسرًا بشكل كامل".
 
آثار نفسية
 
يتعرض المخفيون قسرًا لأبشع أنواع ألتعذيب الممنهج وأشكال سوء المعاملة اللاإنسانية في مراكز الإخفاء. وقد وثقت منظمات حقوقية حالات تعذيب حتى الموت؛ حيث إن هذهِ الممارسات لا يقتصر تأثيرها على الضحايا أثناء إخفائهم فحسب، بل ترافقهم حتى بعد الإفراج عنهم ولمدة طويلة.
وفي هذا السياق، يقول الاختصاصي النفسي توفيق الدعيس لـ"المنتصف" إن المخفيين قسراً يصابون بأمراض وعاهات مستديمة داخل السجون، وعند الإفراج عنهم يعانون من صدمات نفسية شديدة نتيجة التعذيب الذي يتعرضون له. 
ويضيف الدعيس أن الآثار النفسية للإخفاء القسري تظل حاضرة لفترة طويلة في حياة الضحايا، كالانطواء والخوف من الأماكن المغلقة، والميل للعزلة والشعور بالضياع والعجز، مؤكداً أن من الضروري إيجاد مصحة نفسية وبرامج دعم نفسي للمخفيين وأسرهم.
 
انتهاكات بلا حدود
 
لا يوجد إحصائية دقيقة لعدد المخفيين قسرًا لدى أطراف الصراع؛ حيث وثّقت منظّمة "مواطنة لحقوق الإنسان" منذُ العام 2016، وحتى 2020  أكثر من 770 حالة إخفاء قسري، بتورط من مختلف أطراف النزاع. فيما أوضحت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، مؤخراً، أن أطراف الصراع في اليمن ارتكبت انتهاكات واسعة، مشيرة إلى أنه ما يزال هناك أكثر من ألف شخص محتجزين حتى كتابة تقريرها في نهاية العام 2021.
وبحسب "أسوشيتد برس"، هناك ما نسبته40 في المائة من المخفيين قسرًا على الأقل لم يُستدل على مكانهم ولم يُعرف مصيرهم بعد، فيما يرى ناشطون حقوقيون أن النسبة أكبر من ذلك.
 
كما وثق "فريق الخبراء البارزين"، التابع للأمم المتحدة، في تقاريرهم الأربعة الصادرة خلال الأعوام الماضية، ارتكاب جميع أطراف الصراع في اليمن انتهاكات متعددة وخطيرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ترقى معظمها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومن بين تلك الانتهاكات الموثقة الاختطاف والتعذيب والإخفاء القسري، بما في ذلك الانتهاكات القائمة على النوع الجنسي والتعذيب الجنسي والجسدي للنساء المخطتفات والمخفيات في السجون السرية.
وتشير التقارير الدولية ولجنة العقوبات المنبثقة عن مجلس الأمن الدولي إلى أن اليمن تشهد أعلى مناسيب جرائم الاختفاء القسري على مستوى العالم، تورطت في ارتكابها عدة جهات.