العدل أولاً أم الأمن.. مفاهيم مترابطة

10:58 2022/08/18

هناك ثنائيات عديدة تبدو مترابطة في حياتنا اليومية، وبها تستقيم الأمور ويلزمنا أن نتكئ عليها لتحقيق غايات عديدة تنعكس على المجتمع ككل.
منذ عدة، أيام شاركت مع بعض الزملاء والزميلات، في نقاش لمحاولة الإجابة على سؤال هام يأخذ أحياناً طابعًا جدلياً وهو: أيهما يشكل أولوية للدولة (العدل أم الأمن)؟
 
لقد تفاوتت الإجابات بين أهمية العدل والمساواة للاستقرار والأمن، ومن اعتبر الأمن هو أساس الانطلاق إلى تحقيق العدل، كما أن هناك من رأى أنهما متلازمان، إذْ لا يمكن تحقيق العدل بدون وجود الأمن، والعكس صحيح.
 
وفي هذا السياق يمكن القول إن المفهومين مترابطان أو متكاملان، فالعدل لا يتحقق إلا بإرساء دعائم الأمن، والأمن يحتاج إلى العدالة لكي تتحقق المساواة في تطبيق القانون؛ والذي يعد الركيزة الأساسية التي يستند إليها العدل والأمان .وقد روي في الحديث الشريف أن "الأمان قبل الإيمان".
 
كلٌّ ينطلق من فهمه لتلك المصطلحات والمفاهيم وتعقيدات الأوضاع في البلاد. بينما هناك من رأى أن وجود الدولة هو الأساس والقاعدة لتوفير الأمرين معًا، وهذه بديهية؛ فالعدل والأمن من شروط قيام الدولة، والا فسوف تسود اعراف القبيلة وتنشأ الصراعات،  ويسود التنازع وعدم الاستقرار.
 
والحقيقة أنه لا يوجد إجابة موحدة وصحيحة، لاختلاف النظريات وتجارب الدول الشرقية والغربية، وإن كانت الرؤية الإسلامية تنظر إلى العدل كقيمة كُبرى، وتعد جوهر الدين الإسلامي وتسبق ما عداها من منطلق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بشأن قيمة العدل، وجميعنا يعرف قصة قول "الهرمزان" رسول كسرى للخليفة العادل عمر رضي الله عنه "حكمت فعدلت فأمنت". وإن كان البعض يرى بأن الخليفة الراشد عمر تم اغتياله لعدم اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة. 
 
في التنمية السياسية نماذج مختلفة، أهمها نموذج العالم العربي الفارابي والذي وضع أربعة عوامل تتكامل فيما بينها، "خصب دائم، وأمن شامل، وعدل تام، وأمل فسيح"، ويوجد مقولة متداولة لعالم الاجتماع الشهير ابن خلدون، "العدل أساس الملك".
 
إذن العدل قيمة عليا سامية، وتحتها تتحقق المقاصد الأخرى! وهنا أراد ابن خلدون بأن العدل أساس الملك لأنه أساس قوي يستند إليه البنيان والعمران. 
 
أعتقد أن الإشكالية في العصر الحديث تكمن في كيفية تحقق العدل وبأية آليات. وهذا هو السؤال الأهم للخروج من هذا المأزق أو الجدل الثنائي. في الوقت نفسه، فإن الإجابة تحتاج إلى تأمل ورشد.
 
والحقيقة أن الحكم الرشيد أو الصالح هو منظومة متكاملة تستدعي عددًا من المفاهيم  والمرتكزات الأساسية كمفهوم العدالة، المساواة، المشاركة، الشفافية، سيادة القانون، وأيضًا مدى قدرة الدولة باعتبارها أرقى مؤسسة ضامنة لعيش الأفراد؛ في التغلب على أزمات المشاركة، والتوزيع والتغلغل وإنفاذ القانون بما يضمن تحقيق العدالة، وعدم الشعور بالظلم والحرمان. ويتعلق الأمر أيضا بمدى فعالية الأجهزة الفرعية في النظام السياسي وقدرتها على الاستجابة للطلبات الواردة من محيط النظام.
 
كل ذلك سيؤدي إلى تحقيق الرفاهية لعموم المواطنين، والتخطيط الناجز للتنمية المستدامة والتي بالضرورة تحقق الأمن والاستقرار للمجتمع.
لقد أصبحت معايير الحكم الرشيد من المفاهيم المتداولة في أروقة المنظمات الدولية، كمفهوم الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري،  ومدخل لمعالجة الاختلالات البنيوية في الأنظمة السياسية المختلفة، وتحديدًا دول العالم النامي.
 
وبالتالي لا يمكن تحقيق العدل بدون المساواة وتطبيق سيادة القانون، كما لا يمكن تحقيق الأمن بدون المساءلة والشفافية والتنمية والمشاركة الشعبية، ودولة المواطنة لا دولة الرعايا والأسياد والعبيد، والحكم بموجب الحق الإلهي.
 
إن المحافظة على قواعد التعايش والسلم  المجتمعي سوف يتيح مناخ التعدد والتتنوع والاختلاف، في إطار القوانين المنظمة للعلاقة بين الدولة والأفراد، وهنا يستطيع أفراد المجتمع العيش في ظل دولة توفر الحياة الكريمة في أجواء من الأمن والعدل والسلم المجتمعي.