غرام الأفاعي بين ساسة الدول العظمى وقادة الحركات الدينية المتشددة والمتطرفة

02:50 2022/08/29

إن ما يحدث اليوم من تطورات دراماتيكية في السياسات الدولية لا يبشر بالخير أبداً. فمن يتحكم في تلك السياسات هم حتماً أشخاص غير أسوياء نفسياً وفكرياً. فمن يدعم الحركات الدينية المتطرفة والمتشددة بالمال والسلاح للسيطرة على دول بأكملها هم بحق قادة غير طبيعيين. قد يرد البعض بالقول السياسة لها ظروفها ولها تكتيكاتها، نرد عليه: لا يوجد أي ظروف أو تكتيكات يمكن أن تبرر دعم حركات متشددة ومتطرفة. لأن هكذا سياسات نتائجها كارثية ومأساوية على كل المستويات.
وأول من يكتوي ويتجرع كل صور المعاناة والمآسي والاضطهاد والقمع من هذه السياسات الغير منطقية وغير العقلانية هي الشعوب المنكوبة التي تجد نفسها تحت سطوة وسلطة هكذا حركات متشددة ومتطرفة، ثم يأتي الدور على الدول المجاورة لها، والتي لا تسلم من النتائج السلبية لسياسات تلك الحركات، بدايةً بمرحلة النزوح واللجوء التي تتجه نحو حدودها نتيجة البطش والتنكيل لكل من يعارض هذه الحركات. ثم تأتي مرحلة التحرش العسكري على الحدود، لأن هذه الحركات لديها مشاريع توسعية كبيرة، لا تتوقف عند جغراقية محددة، فهي عابرة للحدود وجغرافية العالم هو مجالها وحدودها. 
وهنا يأتي دور المجتمع الدولي الذي تكون السيطرة عليه هو الهدف النهائي لهذه الحركات. لذلك لن يسلم أحد ولن ينجو أحد من ممارسات وسياسات الحركات المتشددة والمتطرفة، مهما ظن أنه ذكي وأنه قوي، خصوصاً بعد أن تتمكن من السيطرة على مصادر القوة والسلطة والمال.
إن ما يحدث اليوم من تنافس سلبي بين الدول العظمى والفاعلة في المشهد الدولي قد دفع ببعضها إلى دعم الحركات المتطرفة والمتشددة نكاية بالدول الأخرى. وهذا هو الجنون والحماقة بعينها. لكن يبدو أن قادة هذه الدول هم أنفسهم يحملون أفكاراً متطرفة ومتشددة، وقد اغرتهم بعض الإنجازات في هذا المجال، خصوصاً بعد ذلك النجاح الذي حققته السياسة الأمريكية إبان حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي؛ حيث تمكنت من إنهاكه وتفكيكه من خلال دعمها للجماعات الأفغانية المتطرفة والمتشددة، بعد أن حاول السوفييت احتلال أفغانستان في عقد الثمانينيات من القرن العشرين.
ولا ننسى ذلك الإنجاز السياسي الكبير للسياسة الخارجية الامريكية الذي جعلها تستبيح العالم تحت ذريعة محاربة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رغم ما ترتب عليه من دمار وخراب طال العديد من الدول ومن نتائج اقتصادية كارثية على المستوى العالمي؛ وهو ما قد يجعل من لعبة الإرهاب والتطرف اللعبة المفضلة عند ساسة وقادة الدول العظمى الذين بات واضحاً أنهم متطرفون ومتشددون. فقد وجدوا في تلك الحركات المتطرفة والمتشددة ضالتهم المنشودة في إفراغ ما في أنفسهم من تشدد وتطرف وشذوذ وارهاب، وفي تنفيذ أجنداتهم ومخططاتهم بأقل الخسائر الممكنة.
ومثلما يفكر الداعمون الدوليون بأنهم يستغلون هذه الحركات في خدمة سياساتهم، فإن قادة هذه الجماعات يفكرون أيضاً أنهم يستغلون الداعمين لتحقيق أهدافهم ونشر أفكارهم، وعلى أمل أن تأتي الفرصة المناسبة للتمرد عليهم وإعلان سلطانهم المستقل فكل طرف يستخدم الطرف الآخر ويستغله بطريقته، وغرام الأفاعي هو التوصيف المناسب لهكذا علاقة مشبوهة ومحفوفة بالمخاطر ، والإنسانية عموماً والمجتمعات العربية والإسلامية خصوصاً هي من تدفع ثمن هذه العلاقة من دمائها وأمنها وحرياتها وحقوقها. كما أنها تؤثر بشكل سلبي على العلاقات الدولية التي تسير نحو التوتر والسلبية والكراهية والعنف ' والتي بدأت تبتعد شيئاً فشيئاً عن الدبلوماسية والحوار والتعايش السلمي. فلا مكان لمثل هذه المفاهيم في أفكار وأجندات الحركات المتطرفة والمتشددة. ولن أبالغ إذا قلت بأن استمرار ساسة الدول الفاعلة على المستوى الدولي والإقليمي في استخدام الجماعات المتطرفة والمتشددة كأداة لتنفيذ مخططاتهم ومشاريعهم، سوف تكون له مآلات خطيرة وكارثية على المجتمع الإنساني، وسوف تدفع البشرية ثمنا باهظاً جداً لهكذا سياسات طائشة ومتهورة وغير مسؤولة.