حرية العقيدة والفطرة البشرية ..!!

07:59 2023/06/03

من المسلم به أن الله تعالى خلق الملائكة عليهم السلام مجبولين على طاعته وتنفيذ اوامره وعبادته على الدوام ، وخلق البشر مخيرين وليس مسيرين ولا مجبرين سواء على طاعته او عصيانه ، وأداة التخيير هي العقل القادر على التفكير والتمييز بين الخير والشر ، بين الحق والباطل بين الصواب والخطأ ، وأرسل لهم الرسل والأنبياء عليهم السلام لدعوتهم لعبادته وإرشادهم إلى طريق النجاة والفوز والفلاح والخير والإيجابية ، وتحذيرهم من سلوك طريق العذاب والخسران والضلال والسلبية ، وأنزل إليهم كتبه المقدسة كخارطة طريق ومنهج قويم ، من تمسك وعمل بها فاز برضوان الله ومن تركها ضل وخسر في الدنيا والآخرة ، وجعل مهمة الأنبياء والرسل مقصورة فقط على دعوة الناس لعبادته باللين والحسنى والحكمة والموعظة الحسنة ، عن طريق الآيات والبراهين والأدلة العقلية والحسية التي تثبت وجود الله تعالى وأنه خالق الكون ومالكه ومدبره ، وهو وحده من ييستحق العبادة والطاعة والتمجيد والتعظيم والتقديس ..!! 
 
وذلك كله ليس عجزاً من الله تعالى فهو قادر على خلق البشر مجبرين ومبرمجين على عبادته ، ولكن كل ذلك ما هو إلا تناسقاً مع فطرة الإنسان التي فطره عليها مخيراً وليس مجبراً ، مفكراً وليس مبرمجاً ، وهو ما يؤكد حكمته جل شأنه ، وعلى هذا الأساس والمنطق تنطلق فلسفة العبادة والايمان بالله في كل الرسالات السماوية ، فلسفة تقوم على منح الأنسان حرية العبادة والتدين ، فلا تقبل عبادة المكره ولا يقبل إيمان المجبر ، ويقبل ذلك فقط عندما يكون خالصاً لوجه الله عن رغبة ذاتية وقناعة تامة ، واعتقد أنه لو تم فهم هذه الأمور بهذا الشكل الصحيح ، لما كان هناك من حاجة للتطرف والتشدد والارهاب ، كون هذه الأمور تتناقض وتتعارض تماماً مع حكمة الله تعالى في خلقه للأنسان مخيراً ومفكراً وليس مسيراً ومجبراً ..!! 
 
ولكن أعتقد بأن وجود ظاهرة التطرف والتشدد والارهاب هي نتاج الفهم القاصر لغايات وأهداف الدين والعبادة ، ونتاج خلل فكري في تفسير وتأويل الآيات والأحكام الربانية الموجودة في الكتب المقدسة ، وكذلك نتاج استغلال الكثير من الحكام والسلاطين للدين لتحقيق مصالحهم السياسية وأطماعهم السلطانية التوسعية ، فجعلوا من الدين والدعوة إلى الله وسيلة للقمع والبطش والتنكيل بكل من يعارضهم ويقف في طريقهم ، وباسم الدين سفكوا الدماء وانتهكوا الأعراض وصادروا الحقوق والحريات ونهبوا الأموال والممتلكات ، وبإسم الدين بنوا حول أنفسهم هالات من القداسة والتعظيم ، في تناقض كبير مع أهداف وغايات الدين السامية والعظيمة ، وتعارض كبير مع فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وتحدي واضح لإرادة ومشيئة الله تعالى وسننه في هذا الكون ..!! 
 
ورغم كل ذلك إلا أن كل أعمال دعاة التطرف والتشدد والارهاب وتقديس البشر في كل عصر وزمان ، قد باءت بالفشل الذريع ، نتيجة اصطدامها مع سنن الله تعالى الكونية القائمة على التعدد والتنوع والاختلاف ، ومع الفطرة البشرية القائمة على التخيير والتحرر والرافضه للإكراه والإجبار ، وما تعيشه البشرية اليوم من التنوع والتعدد الديني هو دليل واضح على أن التعدد والتنوع سنة من سنن الله تعالى في هذا الكون ، لم ولن تستطيع أي قوة بشرية مهما امتلكت من القوة.أن تغيرها أو تبدلها ، وأي محاولات في هذا المجال حتماً سوف تبوء بالفشل الذريع ، وأي جماعة أو فئة تظن أن بإمكانها فرض معتقدها او مذهبها الديني بالقوة والإكراه والعنف والتسلط فهي حتماً تحاول عبثاً ، وهي حتماً تعيش في حالة من جهل الواقع والتاريخ والاحداث ..!!