Image

من طهران إلى حرف سلمان.. الحوار مع الشيطان

"أمريكا هي الشيطان، والشيطان أمريكا" هكذا حول عبدالعظيم عزالدين، المنشد الحوثي والعقيد في الأمن لاحقاً ببركات الجماعة، شعار الخميني عندما وصف أمريكا بالشيطان الأكبر إلى نشيد يردد في إطار العقيدة الحوثية المعلنة.
 
قبل أيام تم إعلان مسؤولين أمريكيين عن حوار واشنطن مع جماعة الحوثيين، رغم أن خط الصلة بين واشنطن والحوثيين لم ينقطع أبداً، لكن إعلان الحوار ووصفه بأنه حوار سري في ذات الوقت، يوحي بالتوصل إلى تسويات مرضية لواشنطن، ينقص فقط غطاء لإخراجها للعلن، والحفاظ على ماء وجه الرياض بإشراكها في التنسيق لهذا الحوار، رغم أن السعودية أجرت حوارات متعددة وليس حواراً واحداً مع الجماعة، منذ اتفاق ظهران الجنوب خلال الأشهر الأولى من الحرب، وقامت قيادات في الجماعة بزيارة الرياض رفقة بعض الأسرى السعوديين كغطاء إعلامي.
 
بالتزامن مع هذه التطورات ودخول أمريكا مباشرة على خط التفاوض مع الحوثيين، دشنت الجماعة حملة دعائية موسعة للمشاركة في هاشتاق على تويتر بوسم #أمريكا_عدو_السلام.
 
ذات الأمر قامت به الجماعة ضد بريطانيا والأمم المتحدة بالتزامن مع عملهم الكبير لوقف معركة الحديدة أواخر العام الماضي، عندما أنقذوا الجماعة من هزيمة محققة تفقدها أهم منفذ بحري يربطها بالعالم، فمن طبيعة الجماعة أن تخوض معركة إعلامية مع أي حليف لها خلال عقد صفقة معينة، لتضليل أتباعها وإبقائهم على موقفهم التعبوي العدائي لها، حتى لا ينكشف أمر عبدالملك وجماعته الموالي لــ(الشيطان الأمريكي) وغيره من الشياطين أمام أتباعهم.
 
ذات السياسة تتبعها واشنطن منذ عقود للتغطية على عملياتها السوداء الداعمة للكيانات الإرهابية، وبإمكان أي متابع أن يعود لخطاب القاعدة مطلع القرن الحالي، عندما قال إنه سيجعل شبه جزيرة العرب واليمن خصوصاً منطلقاً له لمحاربة أمريكا و"إخراج المشركين من جزيرة العرب"، يومها كانت أمريكا تعزز خطاب القاعدة وتمنحه مصداقية أمام أتباع التنظيم، وتعلن عن تواجدها لمحاربة الإرهاب في اليمن، بل وتتحدث عن قضايا معينة تحث الحكومة اليمنية على معالجتها بينما تعدها القاعدة كفراً بواحاً، كالديمقراطية والمساواة والجندر وحقوق الأقليات.
 
منذ تدشين الحوثيين معركتهم ضد الدولة اليمنية مطلع الألفية، رفعوا شعار الموت لأمريكا، وفي ذات السياق، رفضت أمريكا السماح للجيش اليمني باستخدام سلاحها لمكافحة الإرهاب ضد الحوثيين، ولكن عندما نهب الحوثيون هذه الأسلحة نفسها من مخازن جيش الجمهورية اليمنية بعد سيطرتهم على صنعاء، قالت واشنطن إنها فقدت تعقب هذه الأسلحة بكل بساطة، وكأنها فقدت كل تقنياتها شديدة التطور وعجزت فعلاً عن تعقب أسلحة تضع فيها شرائح تعقب لمعرفة كل تحركاتها واستخدامها، وكان ذلك يعد بمثابة منح الضوء الأخضر للحوثي باستخدام هذه الأسلحة لقتل اليمنيين دون مساءلة، ولكن مقابل ماذا؟ ما زال السؤال عالقاً.
 
في 2012 وما بعده ضغطت أمريكا، عبر سفيرها بصنعاء، لإشراك الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني ليحولها ذلك إلى قوة سياسية معترف بها، قبل أن تضع السلاح الذي تستخدمه لقتل اليمنيين وفرض شروطها عليهم وعلى حكومتهم جانباً، لتستمر بذلك حتى سيطرتها على العاصمة.
 
شككت أمريكا لسنوات بدعم إيران للجماعة، رغم وجود أدلة دامغة على ذلك، وإعلان الجماعة في كل أدبياتها أن خامنئي مرجع ديني وإيران دولة نموذج، ووقعت معهم اتفاقيات تلفت انتباه الصخور مطلع 2015.
 
أواخر حقبة الرئيس أوباما، وضع جون كيري مبادرة تجعل الحوثيين قوة موازية للدولة، أعلنها كخارطة طريق يمنية نحو السلام، حسب زعمه، وتفاوض مع الحوثيين عبر مسقط لإخراجها، ولم يتم حتى إطلاع حكومة هادي على تفاصيلها قبل إعلانها، أو مجرد تمثيلهم صورياً في المفاوضات بين واشنطن وجماعة صعدة للتوصل إلى تلك الصيغة.
 
عندما زار ناشطون يمنيون أمريكا بين 2015 و2017 كانت الخارجية الأمريكية تضع عليهم السؤال:
 
من هي القوة التي يجب أن تستلم صنعاء بمفردها، هل الأفضل بقاء صالح أم الحوثي في صنعاء، بعدها تم اتخاذ قرار تصفية صالح لتسليم صنعاء رسمياً للحوثي دون شركاء أقوياء يمكنهم قلب الطاولة عليه، أو الضغط باتجاه سياسات مختلفة عن سياسات الجماعة التي قال الدكتور أبوبكر القربي إن المؤتمر يستخدم كل ثقله لترشيد قرارات الجماعة وسياساتها شديدة الخطورة على مستقبل اليمنيين دولة ومجتمعاً، وكانت معركة صنعاء في ديسمبر 2017 أمام الجميع لا تعكس أي موازين قوى شعبية بعد الحشد التاريخي لأنصار صالح وحزب المؤتمر في أغسطس 2017.
 
نهب الحوثيون معدات تابعة للسفارة الأمريكية عند مغادرة البعثة الدبلوماسية الأمريكية صنعاء، ولاحقاً نهبوا حتى مولدات الكهرباء والسيارات تابعة للمعهد الديمقراطي (NDI ) بصنعاء بعد إغلاق مكتبه، ولم تصدر واشنطن مجرد بيان يدين تلك التصرفات.
 
هل هذه المؤشرات تعكس أي عداء بين واشنطن وجماعة صعدة الطائفية؟
 
لنعد قليلاً ونوسع المشهد، ألم تخض واشنطن حربها ضد العراق وصدام حسين بدعم خليجي، وفي النهاية سلمت واشنطن العراق لطهران، وسرحت عناصر الجيش العراقي أمام ميليشيات الحشد الشعبي التي تعترف 41 ميليشيا منها لخامنئي كمرجع ديني لها تدين له بالسمع والطاعة، من أصل 71 ميليشيا هي قوام ميليشيا الحشد الشعبي؟
 
لنفترض أن واشنطن كانت غبية وتعرضت لهزيمة أو خديعة من طهران جعلتها تخسر العراق، وبدلاً من إعادة العراق لصفها العربي كقوة ضاربة، سلمتها بالخطأ لطهران لتكون خنجراً في البوابة الشرقية للعرب، والخاصرة الشمالية للرياض، لنفترض ذلك جدلاً، فكيف نواجه السؤال الجوهري الذي يطرأ أمامنا: لماذا تصدرت العراق حسب إحصائيات 2017 قائمة الدول التي تحصل على مساعدات أمريكية مباشرة، لتأتي قبل إسرائيل الحليف الأول لأمريكا في العالم، بينما الحكومات الشيعية الموالية لطهران على رأس السلطة؟!
 
لنتجاوز كل المشهد الإقليمي حتى مشاهد إجلاء مقاتلي داعش من مناطق سورية على متن حافلات درجة أولى، وتسليمها للنظام السوري، ما هي قضايا الحوار بين واشنطن وصعدة، ولماذا لم تضع واشنطن جماعة الحوثيين على قائمة الإرهاب، رغم كل جرائمهم وكل شعاراتهم ضدها، وما هي الخطوة القادمة لأمريكا في تعزيز موقف الحوثي كقوة محلية مسلحة طائفية إرهابية ترفض الديمقراطية والمساواة والعدالة، وهي المبادئ التي تضعها أمريكا كمعيار يوجه سياستها حول العالم، وتصنف الدول تبعاً لالتزامها بها؟
 
إذا كانت أمريكا ضد عبدالملك، وحليفة للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، فلماذا لم تنفذ أي ضربة مؤلمة للجماعة، ولماذا لم تمنح التحالف أية معلومات استخباراتية هامة للاستفادة منها في التعامل مع الجماعة وتصفية قياداتها الإرهابية؟
 
والسؤال الأهم، لماذا ما زالت الرياض مؤمنة بصدق واشنطن معها، وهي ترى كل المؤشرات التي تؤكد دعم واشنطن ومنظماتها وأذرعها السياسية والمدنية والحقوقية ضد الرياض ولمصلحة الحوثيين، ومنها قضية خاشقجي، ورفض بيع الأسلحة للتحالف لمحاربة الحوثي؟
 
هل الحوثي يمتلك الذكاء الكافي لمراوغة واشنطن وتضليلها، أم أن واشنطن هي من تمتلك الذكاء والسياسات الكافية والمتقنة لخلق أذرع وأدوات لها حول العالم دون أن تترك بصمات وراءها فتقع تحت طائلة القانون الأمريكي نفسه الذي يجرم التعامل مع حركات إرهابية مسلحة؟
 
ثم أين شرعية هادي من كل هذا، إن كانت لم تزل على قيد الحياة؟!!