Image

أحمد أمين يؤرخ لرمضان فلكلورياً

 أحمد أمين (1889-1954) صاحب الموسوعة الجليلة في التأريخ للحياة الفكرية والعقلية للمسلمين طوال القرون الخمسة الأولى للهجرة «فجر الإسلام»، و«ضحى الإسلام»، و«ظهر الإسلام»، و«يوم الإسلام»، كان صاحب عقلية تأملية تحليلية نافذة ودقيقة، كان يُخضع كل ما يرى ويقرأ ويسمع أو يفكر فيه إلى الفحص الدقيق والتأمل العميق، ولذا فقد امتاز بهذه القدرة الشارحة والمستوعبة والمحيطة بكل الظواهر والموضوعات التي عالجها.

ومن يرجع إلى سيرته الذاتية الفريدة «حياتي» سيقرأ صفحات ممتعة لاستدعاءاته الفياضة من الذاكرة عن شهر رمضان وحضوره الروحي والفلكلوري والثقافي والشعبي على السواء، للدرجة التي ستجعله يفرد لرمضان وما يتصل به من لوازم دينية، وثقافية وشعبية، صفحات طوال في كتابه المرجع «قاموس التقاليد والتعابير الشعبية»، وسنجد أيضاً صفحات كثيرة في موسوعته الباذخة «من فيض الخاطر» في عشرة أجزاء عن رمضان تاريخاً وطقوساً وحضوراً عارماً في الوجدان الجمعي الديني، الرسمي والشعبي، على السواء.

في «قاموس التقاليد والتعابير الشعبية»، يرصد أحمد أمين الحضور الراسخ لرمضان في تحريره لمادة «الدين»، إذ نراه يكتب:

«الدِّين: إنما نتكلم عليه، لأن له أثراً كبيراً عميقاً وظاهراً في الحياة الاجتماعية المصرية، والحق يقال إن المصريين معروفون من قدم بالتدين حتى من لم يتدين منهم يتحمس للدين إذا مس ولو مسًّا خفيفًا، وأكثر المصريين مسلمون، وترى الدين الإسلامي في شتى المظاهر: فأنت إذا فتحت الراديو سمعت تلاوة القرآن والأحاديث الدينية، وإذا مررت في الشوارع رأيت المساجد ومآذنها العالية، وإذا عشت رمضان في مصر، رأيت الحياة البيتية تتأقلم برمضان، فاحتفال بالإفطار وإحسان إلى الفقراء، وسهر للسحور والمسحراتية، ومدافع الإفطار والسحور، والإمساك، وكثرة الابتهالات، وإخراج زكاة الفطر قرب العيد، إلى كثير من أمثال ذلك..» (راجع: ص 205، حرف الدال).

أما «وحوي وحوي»، فيقول عنها أحمد أمين في قاموسه «هي أغنية منتشرة في رمضان بين الصبيان، حيث يجتمع الأطفال بعد الفطور وبأيديهم فوانيس صغيرة مضاءة بالشمع، زجاجها ملون بألوان مختلفة، من أحمر وأخضر وأزرق وأصفر، وينشد منشدهم: وحوي وحوي! فيجيب الآخرون «إيَّاحة»!، ثم يستمر المنشد «بنت السلطان، لابسة قفطان، بالأحمر، بالأخضر، بالأصفر»، وينشد الأطفال وراء كل كلمة «إيَّاحة»، ولا أدري معناها هل هي كلمة مصرية قديمة، أو هل هي مشتقة من حوي يحوى، أي عمل كما يعمل الحواة، بدليل قولهم: لولا فلان ما جينا، ولا تعبنا رجلينا، ولا حوينا ولا جينا..» (ص391، حرف الواو).

ومن أبرز المقولات الدارجة عن رمضان، يلتقط أحمد أمين هذه المقولة شارحاً ومفسراً «رمضان عشرات عشرات: عشرة مرق، وعشرة حلق، وعشرة خلق، أي إنهم يعتنون في العشرة الأولى بالأكل، وفي العشرة الثانية بعمل الكحك، وفي العشرة الثالثة بتحضير ثياب العيد. (ص 217، حرف الراء)

كما يرصد أمين علامةً ثقافية وفلكلورية أصيلة من علامات الشهر الكريم، فيكتب عن «المسحراتي»، ولأغانيه سحر خاص، طول شهر رمضان، ثم يمر على البيوت في العيد يتقاضى أجره».

 

نقلا عن الاتحاد